تقديم: تعرف السخرية بأنها وسيلة للتحرر من الظروف القاهرة والقسوة والألم; وهي كأسلوب تلجأ إليه النفس لدفع الأذى وتفريغ الطاقة بالنقد المثير للضحك. وقد استخدمها الفلاسفة والشعراء والأدباء والمسرحيين للتعبير عما يختلج في صدورهم حيال بعض تناقضات الحية كنوع من التنفيس عن الآلام المكبوتة; فأضحت كأداة بالذهن تستخدم في تفكيك العقائد البالية والخرافات بفطنة وحرفية وذكاء. السرد كأحد الأجناس الأدبية يهتم فيما يهتم بالتشكيك في قوالب الحياة; وفي اشتغاله بالانعتاق من فلسفة السائد والمألوف; حتى يتحرر العقل من القيود المفروضة عليه ويفرد أجنحة الخيال ويطير. تعود بنا النظرية الأدبية في مغازلتها للواقع; وتزيينها بألوان الدرس البلاغي; حتى بدت السخرية في فضائها الزمكاني كما لو أنها كوميدياء سوداء هي التي منحت للأدب بعض من تفرد وكينونة ونشوق. في هذا الصدد نجد أن السخرية; بشقيها البلاغي والفلسفي حاضرة وبقوة في مجموعة الكاتب عبد الواحد اليحيائي التي قدمها النادي الأدبي بالرياض في العام 2019 ضمن مشروعه الكبير الهادف لرفد المكتبة العربية بأعمال نوعية; تتمظهر في العنوان( قصة حب). العتبة الأولى. حين نفرغ من قراءة المجموعة القصصية بما فيها النص الذي حمل اسم المجموعة; نكتشف أن الكاتب نجح في لفت نظر القارئي بوضع عنوان جاذب لأولئك الحالمين; كأنما يدغدغ المشاعر بذلك العنوان المركب; فيجد القارئي نفسه أمام نصوص فلسفية رمزية غير مباشرة تدعوه إلى ترك مقاربات ومقارنات التأويل والبحث عن مهماز تأويل آخر يخصه هو، عمد الكاتب إلى معالجة كثير من القضايا; سواء كانت في صورتها الفردية التي تهم الشخص أو العامة التي تغوص في ثنايا المجتمع; في طريقة عيشه من خلال العادات والموروث أو علاقته بالسلطتين الدينية والسياسية... عمد إلى معالجتها سرديًا بالرمز والإيحاء والإيهام. تشكِّل السخرية والنقد والرمز أعمدة ثابتة انبنى عليها السرد، وهي التي منحت ملامح وهوية لنصوص المجموعة (القصيرة والقصيرة جدًا وتلك التي اتسمت بصفة الخاطرة). نصوص مثل (أدب.. علاقة... رشوة) تسخر من أفراد يعيشون بيننا. نصوص (ملامح.. برم.. كراهية.. صديق الوزير .. رحيل .. انكسار) تعالج قضايا مجتمعية. نصوص مثل (شغف.. هيبة.. تقوى.. ماء .. نظائر) تتحدث عن قضايا دينية وسياسية. في العادة يلجأ كاتب ما إلى السخرية في كتاباته للتعبير عن شعور مكبوت وإحساس بعدم الرضا من الواقع المأزوم; فيستنهض ذخيرته المعرفية ومن خلال اللغة والفلسفة والإيحاء والرمز... يستنهض كل ذلك لتعرية هذا الواقع وكشفه من غير مجاملة ولا مداهنة; وهذا ما فعله الكاتب بالحرف; فنجده يسخر في بعض النصوص (علاقة.. رشوة)، حتى من شريحة الكتاب التي ينتمي إليها. اللغة جاءت سهلة سلسة من غير تعقيد أو تشبيهات مفرطة أو إطناب ممل. صرح الكاتب بوضوح في بعض النصوص ولمح في أخرى ورمز كما لو كان يغمز بعينه بذكاء لتفادي عين الرقيب. وقد أظهرت اللغة المكثفة وفي بعض العبارات تجليات السخرية; وكانت الكلمات دالة سواء كانت للحالة أو الموصوف أو الحوار وحتى الإيماءات. أيضًا نلحظ حضور المرأة في غالبية النصوص; ليس باعتبارها نصف المجتمع وريحانة الحياة وإنما ليظهر ويعري ويكشف مدى الهشاشة والضعف والهوان الذي عليه مجتمعنا الذكوري. يبقى أن نقول إن القارئي بعد فراغه من قراءة المجموعة ووفقًا للشروط والمعايير والدلالات والتعريفات والخبرات والتجارب التي ينبني عليها الحب في الكون يتساءل. هل كانت قصة حب تلك التي سردها الكاتب في نصوصه؟ ** **