زيف القصاص هي الرواية الثانية للأستاذ حامد أحمد الشريف، صادرة عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) في بيروت سنة 2019 في أربع عشرة وثلاثمائة صفحة. الرواية بوليسية، لكن يتخللها الكثير من المواقف الرومانسية. كُتبت بأسلوب جميل، ولغة فصيحة حتى في حواراتها. بذل مؤلفها جهدًا في جعلها ذات حبكة متقنة، يأخذ بعضها برقاب بعض، وتجعل القارئ يتنقل بين الشخصيات المتهمة بجريمة القتل واحدًا واحدًا، وفي كل مرة يتوقع أن التحقيق انتهى إلى القاتل؛ ليفاجأ بأنه لم يحسن التخمين. وفي النهاية يتضح أن أكثر الملتصقين بالمحقق هو القاتل. وهي بهذه الحبكة تتقاطع مع إحدى روايات أجاثا كريستي. الأحداث وقعت في دبي؛ لذلك تعددت جنسيات شخصيات الرواية كتعدد سكان هذه الإمارة؛ فمن سوريا للبنان إلى فلسطين والمغرب، فضلاً عن بنجلاديش والهند والإمارات. تبدأ الرواية ب(رودينا) التي تعود إلى شقتها في وقت متأخر من الليل فتفاجأ بفتاة تُعبِّر هيئتُها عن وقوعها في كارثة، تقف ملتصقة بالجدار. تعطف عليها رودينا؛ فتُدخلها شقتها شفقة عليها. بعد أن جلست الغريبة أخذت تردد: «قتلته.. قتلته»، وهذه تهدئها حتى استغرقت في النوم. وفي الصباح أعدت رودينا الإفطار لضيفتها، وطلبت منها سرد حكايتها. أخذت (إيمان) تروي قصتها منذ أن خرجت ذات ليلة تحت تأثير السُّكر لتبحث عن رجل يؤنس وحدتها؛ فاتجهت لخارج المدينة؛ لتفتعل حاجتها لمن يوصلها لمنزلها، حتى مرَّ بها كهل، أوقف سيارته، وأركبها، وتسليّا بالحديث طول الطريق حتى أنزلها بجوار بيتها وودعها بعد أن حصل على رقم هاتفها. استلطفته، وأخذت تبحث عنه، ويبحث عنها، ويلتقيان من حين لحين، حتى اقترحت عليه ذات يوم أن يذهبا للسينما، ووافق على تلبية رغبتها، لكنه طلب منها أن يمرَّا على بيته ليبدل ملابسه. وافقت، وهناك قدم لها علبة بيرة، فكانت الفاتحة لعدد من العلب المتتالية، ولما غابت عن الوعي أو كادت اقتادها لغرفة النوم، وهتك عرضها. وحين أفاقت بعد ساعات وأدركت فداحة ما جرى ذهبت للمطبخ، وأحضرت منه سكينًا بغية تهديده، لكنها خشيت مغبة تصرفها فأسقطتها من يدها، فاقترب منها، فدفعته بكل قوتها، وسقط على الأرض بعد أن ارتطم رأسه بحافة السرير. خرجت مذعورة لتجد رودينا تطلب منها الدخول لشقتها. بعد أن استمعت لقصتها كاملة طلبت منها أن تسلم نفسها للشرطة؛ لعله أسلم لها من أن يقبض عليها بعد ذلك هاربة من العدالة. وافقت، وأدخلت السجن، فلا أحد يشك في أن إيمان هي القاتلة، ولاسيما وقد اعترفت أمام المحققين بالتفاصيل التي حكتها لرودينا ما عدا أنها غرزت السكين في صدره. تتدخل رودينا في التحقيق الذي يجريه الضابطان راشد وخليل، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة بيان وجمال ملامح أن تنبههما إلى خطأ ارتكباه في اتهام إيمان بالقتل، وتنبههما إلى أن هناك فجوة زمنية بين سقوط الرجل، ووصول الشرطة والعثور عليه مضرجًا بدمائه. وهكذا يُفتح ملف التحقيق من جديد، ويشمل كل سكان العمارة، وزملاء عمل القتيل، وكل من له مصلحة في قتله. وفي كل يوم يظهر أحد المتهمين وكأنه هو الأقرب للتهمة. وساعد على كثرة المتهمين سوء سلوك القتيل، وكثرة ضحاياه؛ فقد دأب على الإيقاع بالعديد من الفتيات والسيدات، من بينهن زوجة زميله في العمل الذي يقطن البناية نفسها؛ وهو ما جعل الكثير يتمنون قتله، حتى إذا قُتل فرحوا بذلك. وفي أثناء التحقيقات يتقرب الضابط راشد من رودينا، وتتطور العلاقة بينهما للدرجة التي يتمنى انتهاء القضية ليتفرغ لها ويتزوجها؛ ليفاجأ في النهاية أنها لم تفكر فيه زوجًا، فيمنُّ عليها بأنه خلصها من حبل المشنقة بعد أن ملك الدليل على إدانتها من خلال التسجيلات التي تثبت تسللها للشقة بعد سقوط القتيل على الأرض - كما حكت إيمان - لتجده يحاول النهوض من سقطته فتجهز عليه بالسكينة التي كانت بجانبه. في الرواية إصرار على تبرئة القاتل من جريمة القتل بحجة سوء سيرة القتيل، بل ثناء على المنتقم؛ لأنه خلص المجتمع من شروره. من الملحوظات التي قد تُحسب من الثغرات في الرواية هي كيف لفتاة ليل تبحث عن ليلة ساخنة أن تذهب خارج المدينة لتتلقف من يوصلها لبيتها في حين أنه يمكنها الحصول على بغيتها في أقرب فندق أو سوق؟ ثم كيف لمحقق أن يسمح لأحد ما بالتدخل في مجريات التحقيق والاطلاع على مجرياته؟ وكيف يركب الضابط المحقق مع زائرة أو مراجعة في سيارتها أمام المخفر ويقبِّلُها؟ ثم كيف يدفعه حبه لفتاة أن يتلف الدليل المادي الذي يدينها بالقتل؟! مما أضفى على أسلوب الرواية جمالاً الاقتباسات من القرآن الكريم، ومن الحديث الشريف، والأمثال العربية، منها: «السجن أحب إلي من الأرق». «كنت أظن كل صيحة عليّ». ص247 «فقد يكون هلاكهما بحصاد ألسنتهما». «فالإنسان غالبًا يؤتَى من مكمنه» ص271 ** **