ذكر التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة أنّ فيلسوفًا قال: «إذا نازعك إنسان فلا تجبه؛ فإن الكلمة الأولى أنثى، وإجابتها فحلها. وإن تركت إجابتها بترتها، وقطعت نسلها، وإن أجبتها ألقحتها؛ فكم من ولد ينمو بينهما في بطن واحدة». هذه هي الحال في موقف كهذا عند كل عاقل، وهو باب أسهبتْ فيه العرب شعرًا ونثرًا. يقول الشافعي- رحمه الله -: ويقول: ويقول: ومن الأبيات التي ذاع صيتها في هذا المقام قول الشاعر: فلو كل عاقل منا ردّ على كل عواء لما بقي من الحجارة التي تُطرد بها الكلاب السائبة إلا القليل، ولارتفع سعرها لندرتها. مقولة الفيلسوف التي ذكرها التوحيدي - رحمه الله - ذكَّرتني باحتفاء صديقتي الحزين! فعندما كانت تتعرض للتنمُّر من معرّف مجهول كانت تتجاهل حتى تمادى ذلك المعرّف، وصار يقدح في أمور لا تليق، فما كان منها إلا أن بلّغت الجهات المختصة عن طريق إرسال المعرّف، وتصوير كل إساءاته. وبمتابعة الجهات المختصة لحساباته ومكالماته للتثبُّت من هويته أفصحت بعد أسابيع قليلة عن اسمه، فكانت الصدمة! كل هذا الشر المستطير المختبئ خلف معرّف مجهول كان من ابنة عمها! والمحيّر ألا عداوة بينهما!! وإن كان لا بد من توصيف لتلك العلاقة فأقل ما يقال عنها: الاحترام القائم على الصمت في أغلب اللقاءات الأسرية، بحسب وصفها. نتخذ الإجراء أم العفو؟ هذا السؤال الذي تنتهي به كل قضية؛ لتتابع الجهات المعنية الدور المنوط بها. وبعده يأتي القرار المحيّر: هل تجعل الأمور تأخذ مجراها النظامي أم تضع اعتبارات الرحم بينهما؟ فقضية كهذه: «إن رفعتها للشارب؛ وإن طمنتها للحية» كما يقول المثل الشعبي. لم تكن النهاية محمودة بكل تأكيد، فمن يقول في الخفاء ما لا يخطر على بال شياطين الإنس والجن مجتمعة لن يردعه رادع عن أمور أكبر. اتخذت الجهات المختصة الإجراء الأمني، وبان للأسرة بأكملها كيف يمكن لذلك الكائن الصامت أن يشعل من فتيل غيرته البيوت المطمئنة. وبقي السؤال الذي سيتبع قضية كتلك: هل تستحق الثقة بعد ذلك من ذويها؟! المحزن أن بعض الجهلاء ما زالوا يظنون أنهم في مأمن من العقوبة متى ما استعاروا لأحقادهم المعرّفات، ونسوا أن الأفراد العاديين يمكنهم أن يتعرفوا على هوية المجهول ببرامج وتقنيات بسيطة وأخلاقية للدفاع، فكيف بجهاز دولة من الدول الأقوى استخبارات في العالم؟! كيف بجهاز أمني صرّح ووضّح العقوبات الرادعة التي تكفل العيش بسلام للمواطنين والمقيمين على أرضه؟! ** **