للشاعر الجاهلي الشنفرى الأزدي ملحمتان، ملحمة شعرية إبداعية، وأخرى دمويةٌ مأساوية، وتتمثل ملحمته الشعرية، في رائعته الُمسماة لاميّة العرب، كانت لدى الشنفري القدرة القوية والجياشة على تصوير الحياة التي كان يحياها، وفي قصيدته اللامية خير دليل على ذلك، ففيها يقول الدكتور يوسف خليفة: وأخص ما يميز أسلوب الشنفري الفني تلك الخشونة اللفظية التي تمثل اللغة البدوية الجاهلية أصدق تمثيل، ثم تلك القوة التعبيرية التي تجعل أسلوبه محكماً لا رخاوة فيه، هذا إلى جانب ما يمتاز به من صدق التصوير والصراحة في النقل عن الحياة العربي القديم، وتُعد من عيون الشعر العربي، حيث اشتملت على صدق التعبير وسمو الأفكار، وبراعة الأسلوب، وبراءة التفكير، وعمق الخيال، ورقة الشعور، وصفاء الروح، وشجاعة الفؤاد، واكتمال البناء الفني، وتوسع الإيحاءات المعبرة بصدق عن العالم الداخلي للإنسان، نفسيًا وتصورًا وكرامته وحريته ومطالبته بالعدالة من، فيها وصف رائع للصعلوك الشريد الطريد، وتصوير حيّ لحياته الغريبة الفريدة في البراري والغفار مع وحوش الصحراء، والجبال بعيداً عن سائر الناس، إنها قصيدة تنطوي على الفخر بالذات، وكذلك اشتملت على فضائل إنسانية، ومحامد خلقية، لم نجدها في كثير من قصائد معاصريه، مثل: الصبر، والعفة، وسمو النفس، وعلو الهمة، والترفع عن النميمة، وإباء الذل والضيم، ولامية العرب خلت من الفحش والنساء والخمر فنجد الشنفرى، أعف لساناً وأبعد عن الفحش والبذاءة، إن لاميّة العرب قصيدة خالدة خلود الحياة، متدفقة تدفق الطبيعة، و عفوية الصحراء، رائعة كما هو التصفح للوجود، مناسبة كما هو النغم في العزف على القيثارة، ولعل من الخصائص الفنية في شعره، التخلص من المقدمة الغزلية، الانعتاق من الشخصية القبلية، بروز الظاهرة القصصية، الواقعية في شعره، التزام المذهبية في شعره، يوجد للامية العرب ثلاث مخطوطات، أقدمها مخطوطة دار الكتب المصرية برقم 1864أدب، وقد كتبت سنة تسع وثلاثين وخمسمئة للهجرة، ثم مخطوطة مكتبة «تشستربيتي» في دبلن، ثم مخطوطة خالد خسرو بجوار جامع أبي أيوب الأنصاري إستطنبول، وقد تناولها بعض علمائنا القدامى بالشرح، كالمبرد وثعلب والزمخشري والعكبري والتبريزي والبغدادي والنحاس وبن دريد والغساني، وفتن بها المستشرقون أيما فتنة، فترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والبولندية، فاللامية قصيدة من درر القصائد اعربية بالنسبة إلى صدق العاطفة، ودقة التطوير، وروعة العرض وإيجاز العبارة. ** **