على الرغم من قرب العهد، إلا أن معظم اليابانيين اليوم لا يدرون عن جرائم الحرب التي ارتكبتها اليابان في الحرب العالمية الثانية. فحال الياباني، كحال العربي والأفريقي والأوروبي والأمريكي. فقد تكتم الخطاب الرسمي والإعلامي والتعليمي الياباني عليها تكتما شديدا، فلا تذكر اليابان إلا قاذفات أمريكا وقنابلها النووية، فباستثناء الصين التي خسرت عشرين مليونا بسبب الغزو الياباني - نصفهم من المدنيين على أيدي القوات اليابانية -، فلا تكاد تجد ذكرا لدور الحرب اليابانية في هؤلاء القتلى إلا في الأفلام الوثائقية، والكتب التاريخية العلمية. فكأن العالم قد اتفق على مسح التاريخ الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. بل حتى دول شعوب المحيط الهادي التي كانت ضحية القوات اليابانية، لا تتعدى مواقفها تجاه التاريخ الياباني المريع، إلا كتاريخ مُجرد منسي، ضمن كتب التاريخ العالمي. فما الذي دفع إعلام الشعوب لإظهار الجرائم النازية عن طريقة جامعاته ووسائل إعلامه، وعن طريق السياحة وبصناعة أو عرض الآلاف من الأفلام والمسلسلات التي تحكي الجرائم النازية بالتفصيل وبالإجمال، بينما غُيبت شعوب العالم عن التاريخ الدموي للقوات اليابانية. لم يكن استسلام اليابان كافيا للأمريكان. لأن مجرد استسلام اليابان دون نزع ثقافة العنف والعنصرية من أبنائه، سيكون مجرد سيناريو متكرر لاستسلام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، كان فترة إيقاظ وتوعية للشعب الألماني، ليعيد شن الحروب في أوروبا انتقاما وثأرا. بل إن تكرار هذا السيناريو، هو آكد في حق اليابان من الألمان، نظرا لوحدة الشعب الياباني في تاريخه العرقي الممتد إلى ما قبل التاريخ، ولعمق ثقافته الحربية، ولوحدة الشعور الياباني في عدم الشعور بالخطأ والندم مما حصل في الحرب العالمية الثانية. ولتوفر الرغبة الشعبية اليابانية في الثأر وتطلعه للمحاولة مرة أخرى لتحقيق المجد الياباني الإمبراطوري العالمي. إذا فالمشكلة اليابانية عند روزفلت، تعود في أصول الثقافة اليابانية. فإن لم تُحل من جذورها، فإن الاستسلام الياباني ما هو إلا ولادة لمارد ياباني أعنف وأقوى وأشد ضراوة، تصغر أمامه نازية ألمانيا وتهون معه المشكلة الروسية، التي ظهرت تباشيرها. والثقافة اليابانية كانت تعتقد أن اليابانيين هم الناس، والعالم مخلوقات دونهم، وهي ثقافة عنيفة قوية في أصل جذورها، لا تهاب الموت مطلقا. لذا أعتقد، أن استراتيجية التعامل مع اليابان، التي وضعها الرئيس العظيم روزفلت قبل موته، كانت تقوم على وجوب تغييب جانب السطوة والعنف من النفس اليابانية بمسح أي ذكر أو تاريخ يُذكر بها. وإضافة إلى ذلك، تذكير اليابانيين بجانب الضعف من الهزيمة باسترجاع ذكرى القاذفات الأمريكية، والقنابل النووية والموت الشامل للأطفال والنساء. فنسيان الثقافة الدموية العنصرية متصاحبا مع التذكير بويلات عداء الشعوب الأخرى، يُلين خشونة الثقافة اليابانية، ويصقل قوتها لتتوجه للبناء. فهكذا كان، والله أعلم، فتحول الياباني من محارب مرعب يدمر بلاده وبلاد غيره، إلى مُنتج مبدع يساهم في بناء الحضارة ويمثل قدوة إنسانية عالمية محبوبة داعية للسلام والمحبة. إن صناعة الحياة بدلا من صناعة الهدم وصناعة الموت، كان أنفع للثقافة اليابانية وأرحم بأبنائها. فدوام الثقافة اليابانية لقرون سابقة إنما كان لانغلاقها على نفسها، فلما انفتحت على العالم فشلت فشلاً ذريعاً.