ارتبطت نظرية الغرس الثقافي بالتأثير طويل الأمد للتلفزيون على المشاهدين، وتشير النظرية إلى أن التعرّض للتلفزيون يغرس مفاهيم وتصورات تؤثِّر مع مرور الوقت على رؤيتنا للواقع. واعتبر جاربنر وغروس (1976) أن التلفزيون هو وسيلة التنشئة الاجتماعية للجمهور، فالمشاهد الذي يقضي وقتاً طويلاً في استهلاك التلفزيون يُصاب بمتلازمة العالم الخطر، نتيجة تعرّضه لمشاهد العنف، وبالتالي يتأثر تصوره للواقع، ويعتقد بأن العالم مكان خطر ومرعب، بسبب استهلاكه الكبير لمشاهد العنف والقتل وكافة أنواع الجرائم. على النقيض من ذلك نعيش اليوم متلازمة حديثة سأطلق عليها «متلازمة العالم المثالي» التي ترتبط بالتأثير طويل الأمد للشبكات الاجتماعية على حياتنا وتصوراتنا للعالم من حولنا، فالغرس الذي تمارسه الشبكات الاجتماعية يصور العالم في صورة مثالية غير حقيقية، ولهذا بلا شك تأثيراته العميقة على سلوكنا وصحتنا الجسدية والعقلية. كشفت دراسة حديثة أن التنقّل بين الحسابات على إنستقرام يمكن أن تجعلك حسوداً، ليس هذا فحسب، بل يمكن أن يؤثِّر على صحتك العقلية بحسب تقرير الجمعية الملكية للصحة العامة في المملكة المتحدة، الذي أظهر أن الإنستقرام هو أسوأ منصة اجتماعية قد تؤثِّر على صحتك العقلية مقارنة بتويتر والفيسبوك وسناب شات. وأوضح التقرير أن الإنستقرام يقدِّم صورة مثالية للجسم، يتعذَّر على المتابع أن يجاريها، لذا يسهل أن يُصاب بالإحباط، بالإضافة إلى أن الإنستقرام يزيد من معدلات القلق والاكتئاب، بسبب المقارنة التي تنشأ في عقل المتابع بين الحياة المثالية، التي لا تشبه حياته، واليأس الذي يتسلّل إلى نفسه في استحالة تحقيق ما يراه بعد الانتهاء من جولته عبر الحسابات المتعدِّدة. الوجوه المشرقة، والبشرة الصافية الخالية من الشوائب، والملابس الباذخة، والأكل اللذيذ الشهي، والأماكن الساحرة، والكمال البصري يمكن أن يعزِّز من تنامي المقارنة بين الصور المثالية في المنصة الاجتماعية، والحقيقة من خلف الشاشات، وبالتالي اليأس من تحقيق الكمال الخادع غير الحقيقي. الحاصل أن المتابع غالباً سيلجأ إلى إظهار ما من شأنه أن يعكس حياة مثالية عبر قنوات السوشال ميديا، حتى وإن كانت غير حقيقية لإرضاء متابعيه، الذين اعتادوا على صور الحياة المثالية، ولا يمكن أن يتقبلوا الحياة كما هي بلا رتوش، أو فلاتر جمالية ومادية، ومن ثم الدوران في حلقة خادعة مفرغة من الواقع والحقيقة. وأخيراً.. حصن نفسك من متلازمة العالم المثالي باستحالة الكمال والمثالية في الحياة، فما يعرض في الشبكات الاجتماعية ما هو إلا سراب خادع يعرض بضع دقائق، أو مجموعة صور منتقاة اختيرت بعناية لعرض الزاوية المثالية، وإيهامنا بالعالم الأفلاطوني.