لا شك أن التظاهرات الكثيفة التي تشهدها كل من لبنانوالعراق، يمثِّلان قلقاً كبيراً لإيران ووكلائها في المنطقة، ولكن تبقى التساؤلات حول تصريحات نظام طهران والهلع المسيطر عليهم؟ مما جعل علي خامنئي، يتهم قوى خارجية بالتدخل في الشأن العراقيواللبناني، كما اتهم الولاياتالمتحدة والاستخبارات الغربية بتمويل هذه الثورة الشعبية من أجل «تأجيج نار الفوضى»، على حد تعبيره. لقد ضاقت الشعوب ذرعاً من فساد الحكومات والعلاقات بين الفوضى وأشكال الإكراه الأخرى، فالسياق الأكثر شيوعاً ليس النزاع السياسي، بل نزاع توترات متصاعدة في كلا البلدين لطرد إيران كأساس لمطالبهم، وفي كل حالة يتابع النظام ما يحدث بالعراقولبنان بما هو أكثر صعوبة من العقوبات التي فُرضت عليها، وقدرها حال دون التملّص من بعض العقوبات أو التحايل عليها، لكن ما يحدث بالدولتين هو انهيار تام للمشروع الإيراني فيما لو استمرت التظاهرات بنفس الوتيرة. يبدو من الوهلة الأولى أن الشعب العراقي سئم من تدخلات إيران السافرة، لا سيما القذرة التي أصبح فيها المدنيون مستهدفين، بعد أن تمت فيها عسكرة الدولة والسياسة من عملاء طهران، ولو تتبعنا الفوضى العارمة التي زرعتها إيران في أرض العراق لسلكنا عدة طرق تقودنا إلى حجم الصراعات الكبيرة لا نعرف نهاياتها ولماذا تركها الشعب تعبث بأمنه واستقراره وسلب ثرواته ونفطه، ولكن رغم ذلك نشاهد اليوم توحّد الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه ومواصلة المسيرة في ساحة التحرير، ويكمن وراء هذا هدف أبعد وأعمق وهو طرد العدو الإيراني والموالين له بالاعتصامات والتظاهرات المليونية حتى تتحقق مطالب المتظاهرين العادلة. إن المطالبة بالحقوق ليس بالضرورة أن يكون تحركاً عسكرياً، وليس بالضرورة أن تكون كل المواقف في حالة تكافؤ القوى، إنما القوة هي تلك المدفونة في الأرض بمعنى أنها تتمثّل في الإستراتيجية التي تُخضع العدو دون قتال والشعب العراقي في تظاهراته كشف حجم الغضب من «التغلغل الإيراني» في البلاد. ولهذا، فإن الشعبين العراقيواللبناني لن يقبلا بما يدبرانه المرشد الإيراني ونصرالله بابتلاع الطعم والدخول في الشباك التي نصبوها لهم، فقد تجاوز الشعبين حالة الصمت وانهارت منظومة التطرف التي تغذيها طهران، وتجلى ذلك في حرق العلم الإيراني في بغداد أمام كاميرات العالم. ومن هذا المنطلق، يشهد العراق تحركاً شعبياً واسعاً، من أكتوبر الماضي في بغداد ومدن متفرِّقة في وسط وجنوب البلاد، وخلفت هذه الانتفاضة أكثر من 265 قتيلاً وما زالت التظاهرات تتكرر في كربلاء، حيث رفعت شعارات مماثلة في الناصرية والديوانية وبابل وغيرها. ويتهم المتظاهرون العراقيون الميليشيات المدعومة من إيران بقتل عشرات المتظاهرين بالرصاص الحي، فضلاً عن مئات الإصابات، حيث إن البيان الصادر عن المتظاهرين يؤكد استمرار المطالب التي تتمثَّل في «إقالة حكومة «القناصين» وحل البرلمان، إضافة إلى تنظيم انتخابات مبكرة بقانون جديد ومنصف، بإشراف القضاء العراقي والأمم المتحدة، وأخيراً تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة غير تابعة للأحزاب والمحاصصة السياسية بسقف زمني محدد «كما نقلته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء عن البيان الذي أعده الشعب.