قد يكون أول ما يدهش قارئ الجزيرة الثقافية, وهو يتعرف على تجربة الروائية السعودية (أميمة الخميس), ضيفة زاوية «ذاكرة الكتب» في هذا العدد ليس تعلقها بالكتب في سن يافعة وحسب, واكتشاف والدتها لهذا الشغف الذي أول ما جاء بلغة ألمانية, ما دعاها لتنمية موهبة طفلتها, إنما نجابتها التي حدتها لاكتشاف سذاجة لغة مبسطة لم ترق لها. الأمر الذي دعاها لاتخاذ قرار جريء في تلك المرحلة البضة. فأسدلت الستار وفتحت نافذة جديدة صوب آفاق رحيبة بواسطة وسيط - سكرتير والدها الأديب الراحل عبدالله بن خميس - ليستجلب لها كتب نجيب محفوظ, يوسف إدريس, إحسان عبدالقدوس, يوسف السباعي. وكخيط بكرة صوف غزلت ذهنيتها وذائقتها المتوقدة من المكتبات المصرية ومن مصروفها الشهري المستقطع! عمري أربع سنوات حين اكتشفت والدتي كتابي الألماني تقول أميمة: أول كتاب قرأته كان كتابا للأطفال, طالعته في سن باكرة اسمه (ذات الرداء الأحمر) لربما كان عمري وقتها أربع سنوات, كان للمفارقة مكتوبا بالألمانية, استمتعت بالرسومات وحادثتني الشخصيات وقتها بود ولطف. وبعدما اكتشفت أمي شغفي المبكر بالكتب, جلبت لي بعض قصص الأطفال العربية من مكتبة صغيرة في حي الملز - أعتقد أنها كانت البذرة الأولى لمكتبة جرير وقتها – لكن كون تلك الكتيبات كتبت بلغة مبسطة حد السذاجة, لم ترق لي, فأشحت عن قراءة كتب الصغار لزمن, وبدأت أفتش في مكتبة الكبار أمي وأبي بفضول, قبل أن تردني المكتبة الخضراء ردا جميلا لعالم كتب الصغار, إذ أمضيت مع سلسلتها أوقاتًا جميلة, لازالت دهشتها في رأسي إلى الآن. في المتوسطة بحثت عن «محفوظ والسباعي وعبدالقدوس» وبينت «الخميس» أن المكتبات المصرية تعد نافذة شراء كتبها الأولى بواسطة سكرتير والدها الأديب الراحل عبدالله بن الخميس الذي كان يجلب لها آخر إصدارات نجيب والسباعي وأضافت: أذكر بأنني كنت أقتطع من مصروفي - كنت في المرحلة المتوسطة – وأمرره لسكرتير الوالد المصري الذاهب في إجازته السنوية, ليجلب لي من مصر آخر إصدارات نجيب محفوظ ويوسف إدريس, إحسان عبدالقدوس, ويوسف السباعي.. وسواهم, تلك الكتب كانت رفيقتي في ليالي العطل الصيفية الطويلة, تساهرني حتى الفجر, حيث أتلكأ في القراءة عندما أصل الصفحات الأخيرة, خشية أن تتلاشى عوالم الكتاب وشخوصه وتغادرني متعته. يقولون: فتوى ظهرت عقب إصداري الأول وحول تجربتها مع استعارات الكتب قالت: كُنّا نقرأ جميعنا في المنزل مجلات «الكوميك», التي كانت تترجمها لبنان, وتلقى رواجا كبيرا لدى الناشئة «سوبرمان –الوطواط - لولو الصغيرة». و»ميكي ماوس» وعائلته المترجم في مصر, كُنّا شديدي الشغف بهذه المجلات, إذ نتداولها بحرص وشغف فقامت «خولة» أختي التي تكبرني بجمع بعضها بالتسلسل وتغليفها وتجليدها في مجلد أنيق فخم, استعرته وقتها للقراءة لكن يبدو أنني لم أكن بحجم المسؤولية فأتلفته, ما أدى بيننا إلى مشادة حامية الوطيس, تعلمت منها قيمة المجلات وأهميتها. أنا عادة لا أحزن على الكتاب الذي تمت استعارته ولم يعد. أشعر بأن الكتب هي جنيات مجنحة حاملات جرار المعارف, مرت بي ملأت أوردتي وآنيتي بمائها السحري, ثم غادرت تبحث عن آنية أخرى فارغة لذا لا أسعى إطلاقا لاستعادتها. أما الكتاب الذي أحتفظ بأكثر من طبعة له: فهو كتاب «تقرير إلى غريكو» تأليف نيكوسكازنتزاكي, ترجمة ممدوح عدوان. فيما تحظى بعض أعداد (مجلة الجزيرة) الأصلية القديمة جدا بعناية التجليد والاهتمام بها أكثر من غيرها. بينما تعد كتب أدونيس أبرز الكتب التي أواجه صعوبات في شرائها سواء من معارض الكتب أوالمكتبات. إذ كنت حريصة على اقتنائها في مرحلة الجامعة غير أنها لم تكن متاحة ذلك الوقت. «الجابري» رتب مواضع الأشياء في رأسي وتطرقت «الخميس» لظروف تأليف إصدارها الأول: هو مجموعة قصصية (والضلع حين استوى) عام 1992م. جمعت بها سلسلة قصص كنت أنشرها تباعا في زاويتي أفق الشمس في جريدة الرياض, يبدو أن عنوان الكتاب كان وقتها مستفزا للبعض ويقال إن هناك فتوى قد ظهرت حوله. كما نفت طوال مسيرتها القرائية أن تكون تمنت التدخل في إعادة صياغ سطر في جميع الكتب التي قرأتها مزمعة الأمر للقداسة فقالت: أبدا على الإطلاق لم أحاول التطفل قط على أسطر كاتب, لربما أجد أن للكتاب نوعا من القداسة فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف. بينما كشفت إجابتها عن سؤال تطرق لأهم الكتب التي بثت فيها روح المخلوق المفعم بالحياة: إن معظم كتب محمد عابد الجابري واشتغالاته الفكرية, كان لها هذا الأثر الكبير على تكوينها المعرفي, لقد رتب مواضع الأشياء في رأسي, لذا أهديته روايتي (مسرى الغرانيق في مدن العقيق). وفي نهاية زاوية (ذاكرة الكتب) التي يوصي بها الضيف قراء (الجزيرة الثقافية) بالإشارة لأحد الكتب أحالت ضيفتنا الروائية أميمة عبدالله الخميس لوسم لديها في تويتر تحت عنوان #القراءة_نزهة_في_عقل_الكون فربما يجد به القارئ بعض من ذائقتي وخياراتي.