كل المؤشرات التي بين أيدينا تؤكد أن الضعف والوهن بدآ يمتدان بوضوح إلى أذرع إيران في المنطقة بسبب العقوبات الأمريكية المُحكمة التي - كما يقول الأمريكيون - لم يُعرف لها سابقة في التاريخ المعاصر. لبنان اليوم يسيطر عليه حزب الله, وقد بدأ في الآونة الأخيرة يشكو من ندرة في الدولار وبقية العملات الصعبة؛ وهو ما جعل الليرة اللبنانية يصبح لها سعران، سعر رسمي في مصرف لبنان، وسعر في السوق الموازية أعلى عند الصرافين وتجار السوق السوداء؛ ما جعل اللبنانيين أمام هذا الواقع النقدي المقلق يكدسون رؤوس أموالهم بالدولار في منازلهم كما كانوا يفعلون إبان الحرب الأهلية. ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة أكثر في حال أن الأمريكيين فرضوا عقوبات جديدة على الدولة اللبنانية، خاصة على المتحالفين مع حزب الله من غير الشيعة، وهو ما يتوقعه كثير من المحللين. سوريا بسبب نفوذها الكبير في لبنان، وحلفها مع نصر الله والإيرانيين، أصبحت تعوض جفاف بلدها من الدولار من خلال امتصاص الدولار من لبنان؛ لتمويل وارداتها من الخارج، بعد أن توقف الإيرانيون عن تزويدها بالعملات الصعبة راغمين بسبب العقوبات الاقتصادية التي فعلاً أثقلت كاهلها. أضف إلى ذلك أن حوالات العاملين السوريين في الخارج تقلصت بشكل كبير؛ فقد أصبحوا يفضلون ادخار مداخيلهم في بنوك البلدان التي يعملون فيها على تحويلها إلى سوريا. الحوثيون في اليمن بدؤوا أيضًا يشعرون بأن إنفاق الإيرانيين ليس كما هو في بداية الأزمة، وأن سخاء الإنفاق الإيراني على تمويل انشقاقهم على الحكومة الشرعية قلّ كثيرًا؛ ما جعلهم (يبادرون) لإطلاق الصلح من جانب واحد؛ لأنهم يعرفون أن كنز الملالي الذي يغرفون منه قد استنزفته العقوبات، وأن الحرب إذا طالت ستكون في عكس مصلحتهم. إيران تحاول الصمود، وتدعي أنها أقوى من أن تخضع، وأن أذرعها أذرع محض أيديولوجية، تضحي بالمصالح في سبيل نصرة الأيديولوجيا، وهذا ربما صحيح نسبيًّا، ولكنه قطعًا غير صحيح على الإطلاق؛ فأغلبية الشعوب إذا جاعت فإنها تبحث عن لقمة العيش أولاً، ولقمة العيش هذه لم تعد توفرها عمائم الفرس المقدسة التي كانت توفرها لهم بسخاء في السابق. تجفيف تمويل أذرع لبنان - على ما يبدو - هو هدف هذه المرحلة في رأيي. وما تشهده لبنان يكشف هذا الهدف بوضوح؛ فحزب الله الذي كان الرئيس أوباما يغض عنه الطرف في السابق أصبحت إدارة ترامب تستهدفه، وتسعى إلى حصاره، وملاحقة موارد تمويله، والمصارف التي تتعامل معه. مثل هذه الإجراءات التي يبدو أنها جادة ستؤدي قطعًا إلى ابتعاد القوى اللبنانية المتحالفة معه، ولبنان دولة محض رأسمالية في نهاية المطاف، والشعب اللبناني لا يتحرك إلا إذا شعر بأن مصالحه واستثماراته تتعرض للخطر. حزب الله في لبنان اليوم يتعرض إلى أزمة وجود، واستهداف من الأمريكيين، وإذا استمرت الإجراءات فلا أعتقد أن في مقدوره مواجهتها. إلى اللقاء.