في ظل تحوُّل المملكة العربية السعودية من الدولة الريعية إلى دولة الرفاهية بسبب أن الدولة الريعية دولة غير مستدامة، فيما دولة الرفاهية دولة مستدامة، يتسبب التحول في آلام مصاحبة ريثما يتم التحول. فدولة الرعاية غير مستدامة، وخصوصًا عندما زاد عدد السكان، والاعتماد على دخل وحيد متذبذب في إنتاجه وأسعاره. فمنذ عام 2014 بدأ عجز الموازنة يتضخم؛ فارتفع من 66 مليار ريال في عام 2014 إلى 367 مليار ريال في عام 2015، فنحو 297 في عام 2016، فنحو 230 في عام 2017، ثم انخفض إلى 136 في 2018 بعدما توجهت الدولة نحو التوازن المالي بين الإيرادات والنفقات في عام 2023. فبعدما كانت نسبة الإيرادات النفطية 90 في المائة عام 2014 انخفضت إلى 68 في المائة عام 2018، وسينخفض الاعتماد على النفط إلى 50 في المائة عام 2030. رغم ذلك لم تهمل الدولة قطاع الإسكان الذي هدفت من ورائه إلى زيادة تملك الأفراد المساكن من خلال استراتيجية تتضمن عددًا من البرامج والمبادرات التي تمكّن الأفراد من التملك بشكل أسهل من قبل من أجل الوصول إلى نسبة تملك في أوساط المجتمع السعودي، تصل إلى 70 في المائة وفق مستهدفات رؤية 2030. تظل هناك تحديات؛ فلا يزال المجتمع ينظر إلى تملُّك المساكن بزمن دولة الرعاية، ولم يتمكن من تغيير النمط الذي كان عليه الجيل السابق من تملك الفلل ذات المساحات الكبيرة التي لا تتناسب مع الدخول ونصف المساحات غير مستغلة؛ إذ هناك نحو مائة متر مربع أو أكثر مخصصة لجناح الضيوف، إلى جانب أن تكاليف المساحات الكبيرة مكلفة من حيث الكهرباء وتكاليف الخدمات الأخرى، بينما المساحات المتاحة لدى «سكني» التي تتوافق مع الدخل هي بين 100 - 170 مترًا مربعًا، بجانب منتجات أخرى لمن هم دخولهم عالية. ولأن وزارة الإسكان تتجه نحو حل مشكلة الإسكان وفق مراعاة الطبيعة الخاصة للمجتمع السعودي، ونوعية ما يحتاج إليه المواطن من منتجات عقارية، فقد قدمت وزارة الإسكان 13 مبادرة، والعديد من التشريعات الجديدة.. فبعدما كان صندوق التنمية العقاري يقدم القروض السكنية استبدلته الوزارة بالبنوك لتوسيع رقعة تملك المساكن، وما زالت الدولة تتحمل الفوائد لأول مسكن لنحو 500 ألف ريال للمدنيين، ونحو 640 ألف ريال للعسكريين. ونتج من هذه الاستراتيجية التي اتبعتها وزارة الإسكان ارتفاع في القروض العقارية للأفراد في السعودية 3 أضعاف خلال مايو 2019. وبلغ إجمالي القروض منذ بداية 2019 حتى نهاية مايو أكثر من 58809 عقود تمويلية بقيمة 27.019 مليار ريال مقارنة بنحو 18 ألف عقد بقيمة 11.680 مليار ريال خلال الفترة ذاتها من عام 2018 محققة بذلك نموًّا قدره 223 في المئة في أعداد العقود، ونحو 131 في المئة في حجم التمويل. ما قامت به وزارة الإسكان عبر برنامج سكني تجاوز ما كان متوقعًا، بل إنه بلغ ذروته حينما جرى التوسع في دائرة المستفيدين من برنامج الدعم السكني المقدم من البنوك المحلية وشركات التمويل العقاري؛ ليشمل مَن تجاوز دخلهم 14 ألف ريال. تمتلك وزارة الإسكان مرونة في الاستجابة لكل ما هو في صالح المواطن، وتتجه نحو تغيير المبادرات من أجل توفير المساكن لأكبر شريحة ممكنة من المواطنين، ومن أجل تحقيق الهدف الذي وضعته. رغم التحول الاقتصادي، والتوجه نحو تحقيق التوازن المالي، إلا أن الدولة أخذت عهدًا على نفسها بتحقيق دولة الرفاهية، ووعدت بتبني هذا الملف، وتسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية، وتغيير آلية الدعم السكني متحملة الدولة من ورائه الكثير من الأموال، وخصوصًا أن «سكني» يقدم مساكن قيمة أرضها صفر بسبب أنها أراضٍ حكومية، بجانب أنها تكتلات سكنية، تتمتع بجميع الخدمات، إلى جانب أن أسعار الشقق تقل بنحو مائتي ألف ريال عن الشقق في السوق؛ وهو ما عزز من القدرة التنافسية، وأسهم في خفض الأسعار. لكن رفع نسبة الدعم الشهري للمستفيدين من أصحاب الدخل الشهري أكثر من 14 ألف ريال، وذلك بشكل تدريجي بمعدل 5 في المائة لكل ألف ريال، عكس ما كان معمولاً به في السابق؛ الأمر الذي سينعكس على حركة سوق العقار، وهي خطوة يقرب حل مشكلة الإسكان بها قبل المواعيد المحددة لها في الرؤية. وأتمنى أيضًا أن تمكّن وزارة الإسكان المرأة العاملة غير المتزوجة من التملك للمسكن الأول، مثلها مثل الرجل، على غرار التضامن بين الرجل وزوجته.