لكل من الاثنين أشياع، وأتباع، يغارون عليهما غيرة الأحرار على البنات الأبكار. وقد لا يلمون بأبعادهما: المعرفية، والسلوكية الإلمام الكافي. فيجمعون سوءات: الضعف، والتبعية، والتعصب. أنا معجب ب(العقاد) وأراه أفضل من (الرافعي) ولكني لا ألغي نفسي في عالمه، ولا أتعصب له، ولا أتنكر لخصومه، بل أعرف لكل واحد حقه، ومكانته. دون مبالغة. قرأت لهما، وعنهما. ولكل واحد منهما حقله الواسع في مكتبتي. قامت بينهما معركة مسفة، وبخاصة (على السفود). هناك خلفيات: فكرية، وعقدية، وسلوكية لا يدركها إلا العالمون بدواخل الأمور. (سعد زغلول) يعد المثل الأعلى لهما، ولما أثنى (زغلول) على (الرافعي) جن (العقاد) وقال عن كتابه (الإعجاز) يصلح للعجائز. وبدأت المعركة المسفة (الرافعي) عَدَى بالدين، والتراث، وتجلبب بهما، وكسب العامة. بينما (العقاد) يفضله فيهما. ولكن ثقته، وكبرياءه تمنعانه من التوسل بشيء (إسماعيل مظهر) الملحد احتضن (الرافعي) لأنه يكتب إسلامياته بالعاطفة، ونشر بمجلته مقالات (على السفود). وخوف (مظهر) من (العقاد) لأنه يكتب بعقلية، معرفية، وإذ تنافسا على (زغلول) تنافساً على (مي زيادة) فكان تهافت (الرافعي) المذل، عبر سردياته، وأنفة العقاد. خطاب (الرافعي) وعظي انتقائي، وخطاب (العقاد) فكري. شمولي تصدى (الرافعي) ل(طه حسين) واحتضن (محمود أبارية) وهو أسوأ من (طه). الرافعي صوفي قبوري كما في (حياة الرافعي) للعريان. معارك الرافعي شخصية عنيفة يحمد له تصديه للتغريب، واعتزازه بالتراث، وإحياؤه للأساليب العربية، النقية. ويؤخذ عليه عنفه، وإسفافه، وشخصنته للمواجهات، ورغم كل ذلك فهو مدرسة أسلوبية، وقامة أدبية، وهو من جيل العمالقة، الذي لم يتكرر. (العقاد) أمكن منه فكرًا وأعمق منه معرفة تصدى للماركسية، ونافح عن الفكر الإسلامي، وتصدى ل(الداروينية) وجاءت (عبقرياته) لإثبات قيمة الفرد الملغى في الفكر (الماركسي). ما أوده من المريدين قراءة المفكر، والقراءة عنه، واطِّراح الحماس، واللجاجة. أنا تتلمذت على جيل العمالقة، وقرأت محاكماتهم، على يد الإسلاميين ك(الجندي) و(الخراشي) وغيرهما، ولم ألغ ذاتي مسترشداً بقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}. الاثنان صنعا نفسيهما، وأثبتا وجودهما باقتدار استثنائي، واختلافنا معهما، أو مع أحدهما لا ينقص من قدرهما. هي وجهة نظر قابلة للمراجعة.