في بداية رمضان بالضبط وافق مجلس الشورى السعودي على توصية تسمح بتقديم الأرجيلة (التعميرة أو الشيشة) في المقاهي والمطاعم داخل المدن. لا أعرف لماذا تمت التوصية في شهر رمضان بالذات، ولعلها من باب التضامن الترفيهي مع البرامج التهريجية والمسلسلات التافهة التي تشاهد تصاعداً مرعباً في كل رمضان. لأنني طبيب، أقرر أولاً أن جميع المدارس الطبية العالمية تعتبر تدخين خلطة الجراك بأنواعه ضارة إلى أقصى الحدود بالصحة، والشرح يأتي في السياق. ثانياً أؤكد أن أعداد الفتيات المراجعات لعيادات أمراض الباطنة والجهاز التنفسي في ازدياد جنوني. قبل سنوات قليلة كان من النادر أن يشم الطبيب رائحة السجائر أو الجراك تنبعث من ملابس السيدات والفتيات. الآن أصبح الطبيب يعرف المدخنة للسجائر أو الشيشة أو كليهما من السعال الغليظ الأجش ورائحة الملابس، علماً أن اختلاط رائحة التدخين بروائح العطر النسائي تثير الاشمئزاز والغثيان. أتمنى كمواطن طبيب أن أعرف مرئيات اللجنة الصحية في مجلس الشورى هل كانت بموافقة بعض أعضائها أو بالرفض المنطقي للتوصية من كافة الأعضاء، كما أريد طرح سؤالي استفزازي: هل من المسموح تدخين السجائر والأرجيلة خارج قاعة الاجتماعات في مجلس الشورى ؟، لا أعتقد ذلك. والآن إلى المادة الطبية في هذا المقال. التدخين بأنواعه ممنوع بقرار من مجلس الوزراء في الأماكن العامة منذ زمن طويل لأسباب صحية واجتماعية وتربوية. الجراك الذي هو مادة التدخين في الأرجيلة يحتوي على التبغ وعصير الفواكه المتعفنة والسكر والجلسرين. كمية الدخان المستنشق في جلسة أرجيلة واحدة لحوالي نصف ساعة تزيد بأكثر من مئة مرة عن تدخين سجارة واحدة. الأدخنة النافذة عبر ماء الأرجيلة تحتوي على النيكوتين وأول أكسيد الكربون شديد السمية ومعادن الكروم والزرنيخ والقطران وكلها مواد سامة وتنتقل داخل الأدخنة إلى المدخن. أمراض تدخين الشيشة المؤكدة هي التهابات وسرطانات الفم والبلعوم والمريء والمعدة والمثانة والمجاري التنفسية والرئتين والقلب والشرايين، وبمعدلات أكبر بكثير لمدخن الأرجيلة اليومي من مدخن السجائر بكثافة. إصابات التليف والانتفاخ الرئوي تحدث أسرع من تدخين السجائر. الإصابة بجرثومة المعدة والسل الرئوي تعتبر طبياً ضمن المضاعفات المسجلة والمتكررة عند المتشاركين في تدخين الشيشة من رأس واحد. كل ما تم ذكره حتى الآن يتضمن الأضرار في حق المدخن الخاص، ولكن تبقى الأضرار في حقوق المتعرضين للتدخين السلبي من تلوث أجواء المطاعم والمقاهي، بالإضافة للإغراء التربوي الترفيهي بتقليد الصغار للكبار. ورد ضمن توصية مجلس الشورى اشتراطات ضوابط السن والمكان. هذه الاشتراطات سوف تكون مجرد حبر على ورق، لأن حتى ضبط سلامة المأكولات والمشروبات نفسها في المطاعم والمقاهي لم يتحقق حتى الآن، وستكون ضوابط التدخين في خانة نفس الاشتراطات الغير قابلة للتطبيق. التبرير الذي تشاركت فيه لجان مجلس الشورى بما في ذلك لجنة الحج والإسكان والخدمات كان بدون شك هدفه اقتصادي بحت، وهو رفع الضرائب بنسبة مئة في المئة على الاستهلاك. لا أعتقد أن الأضرار المذكورة في المقال تبرر السماح بالتدخين في المقاهي والمطاعم حتى لو كانت الضرائب ألفاً في المئة. الصحة العامة يجب أن تكون محصنة ضد الاستثمار الضريبي في كل زمان ومكان.