ما أسهل أن يقيد المرء نفسه بعتاد يصعب عليه فيما بعد الافتكاك منه! ولو كان القيد يتعلّق بالآخرين لكان الأمر فيه فسحة لأنه قد يصبح وقتياً أي بزمن معين متى ما زال الآخر كان هو حراً طليقاً بعدها وهنا لا أقصد الرقابة السياسية والدينية وإنما الحرية الذاتية الشخصية والتي يعوّل عليها الفرد كثيراً، بل هي من تصنع أجيالاً يستمرأون على ما تعلّموه أو تعلّمته الذات بما نسميه بالأيديولوجيا وخصوصاً أمور الدين أو كما ننعته الوازع لذلك يقول ابن خلدون (... أن الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها أجنبي، وأما الشرعيّة فغير مفسدة لأن الوازع فيها ذاتي) والأجنبي يقصد أنها من خارج الذات بينما الشرعي فهو منها وإليها وإنما كانت العاطفة هي من تحيل كل ذلك إلى التبعية دون إعمال العقل، كان السجال ممتداً منذ نشوء زمن الصحوة حتى نهايتها متخطياً كل الخطوط والتوقعات على بساطة المجتمع وعاداته الجميلة التي نفتخر بها دوماً كسجيّة مسلّم بها ولكن يمتد العنق كثيراً نحو سلوكيات تحوّلت إلى أيديولوجيات مع ظهور الأحزاب والحركات الدينية والسياسية كالإخوان والسلفيين والاشتراكيين والقوميين العلمانيين والليبراليين فزمن الصحوة إنما هو نتيجة مضادة لبكتيريا الأحزاب والحركات المعاصرة كلها وارتبط مفهومها بالإسلاميين لأن مجتمعنا بخصوصيته لم يطرق تلك الأبواب طرقاً مقرعاً ما عدا قلة من المثقفين الذين كانت دراساتهم في الغرب فأحبوا أن يحذوا حذوهم ولأن الأمر فيه خروج هو أشبه بالمقاومة للدين فكان الصدام الحتمي والتشدّد نتيجة فعليّة للسجال فحين وجدنا من اصطبغ بالسلفية وغيرها جهلاً بالمنهج يرجع ذلك إلى عدم الفهم الحقيقي للدين حينها انفرطت حبات العقد فكان كثير ممن كانت لهم سابقة في التدين نكص على عقبيه وحلق لحيته وأطال ثوبه حتى غدا وكأنها أصابته نوبة من الهذيان فأصبح يقلّب كفيه انتقاماً على أيامه التي ولّت دون أن يصيب منها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين فجمع الحسنيين في العداء ليس على رجال الدين الحقيقيين وحسب وإنما على الدين نفسه لجهل منه وعدم وعي وتلك عودة إلى الذات بطريق الخطأ وهذا إنما كان شائعاً في الدول العربية والإسلامية بشكل عام فكان ليبرالياً متشدداً وعلمانياً صريحاً لم يستعِد طبيعته السابقة التي كانت على الفطرة ولأنه لم يحصّل تعليمه الديني كما يجب أن يكون تدريجياً فيكون ذا عقلية إسلامية وسطية صحيحة على بيّنة من أمره فلا ضرر ولا ضرار كما يقال فعاد أدراجه نادماً على ما فاته من ملذات الدنيا ونعيمها المحرّم عليه سابقاً، والبعض ممن ما زالوا على الهواء مباشرة وإن كان بعضهم يحمل تعليماً مميزاًلا أنهم يرون في الأحزاب الدينية فرصة لتحقيق مآرب ومصالح أقرب من طرف عيونهم فينعتون من يتعامل مع الغرب بالخائن بينما بضاعتهم موسومة من تل أبيب دون حياء أوخجل. ** **