حين يتحدثون عن خصلة ما نراهم ينسبونها للرجل وأخرى يجزمون بأنها نسائية. وما يزالون ونزال نفعل حتى سادت صورة نمطية وأحيانًا (جندرية) تفنّد الإنسانية وتقصيها. حتى صرنا في زمنٍ شحّت فيه الأنسنة وساد فيه التمييز في كل شيء. فهذا رجل وتلك امرأة، هذا أبيض وذاك أسود، هذه مسلمة وتلك مسيحية، هذا من طائفة وآخر من طائفة أخرى وقائمة الفَصل والتمييز تطول حتى غرقنا في اختلافاتنا. صار الإنسان تائهًا لا يعي هويته الحقيقية فاقدًا لإنسانيته، جعله هذا التمييز يحصي كمّ الهويات التي ينتمي لها ويقصي أهم هوية (كونه إنسان) مللنا المحاكمة وفقًا لأدلجة المُحكِّم، وضجرنا من التصنيف. أصبحت العقول نقمة يوم امتنعَت عن التفكير واعتنقت التبعية. حتى الإحساس تلاشى حين تنمّطت المشاعر. لم نعد نتأمل ونفكر كم نحن متشابهون، وكم يجمعنا الكثير. سلّطنا الأضواء على اختلافاتنا الطفيفة وأقصينا الكثير مما يجمعنا. وسنظل نفعل حتى نُفني بعضنا البعض وقد بدأنا عملية الإبادة بالفعل. فيا إنسان متى ستبصر هويتك؟ متى ستعي بأني أشبهك وتشبهني، أيًا كانت ملّتك، لونك، جنسيتك، وحتى فكرك. وللرجل، إني امرأة، لكنني أشبهك. أنت تكملني وأنا أجبر الناقص فيك. تشعر كما أشعر، وتفكر كما أفعل. فلمَ لا يمكنني استيعاب الاختلافات الجينية البسيطة بيننا؟ ولمَ لا تقتنع بأن قوة جسدك لا تعني ضعف عقلي؟ لمَ لا يمكنني أن أتفهم بأن رغبتك بالصمت لا تعني أنك لا تُبالي، ولا تتمكن أنت من تقبّل رغبتي بالثرثرة؟ ستكون الحياة أجمل حين نقبل بعضنا بكل أجناسنا وأطيافنا وألواننا. حين يقتنع الرجال بنديّة النساء، وتقتنع النساء بحاجتهن للرجال حين يُلغى قانون المكابرة، والمفاضلة. حين نُشفى من داء العنصرية وحُمى التصنيفات وإشاعة التمييز والطبقية. وحين نؤمن بأن خَلقنا الأول كان من صُلب أبٍ واحد ورحم أمٍ واحدة. ماذا لو أخبرتكم بأننا نملك أجهزة عضوية متشابهة ونصاب بالعدوى من ذات الجرثومة؟ ماذا لو أخبرتكم بأننا نملك ذات التكوين النفسي والذي قد يختل للأسباب نفسها؟ ماذا لو أن كل ما نمر به من صراع (غابَوِيّ) على سطح هذه الأرض كان مجرد حُلم وأفقنا منه على سيادة الإنسانية؟ تُرى كيف سنعيش ونتعايش حينها؟ حسنًا.. تتشعب الأسئلة وتتفشى الاستفهامات وتبقى الإجابة واحدة، متقلّصة أن (كلنا بشر). ** ** - حنان القعود