يقول ابن رشد في زمانه: (إنّ ها هنا طائفة تشبه العوام من جهة والمجتهدين من جهة وهم المسمّون في زماننا بالفقهاء فينبغي أن ننظر في أي الصنفين أولى أن نلحقهم؟ وظاهر من أمرهم أن مرتبتهم مرتبة العوام وأنهم مقلِّدون) علينا أن نتخطّى الأصولية المسيحية بعد أن عرفنا أن المنهج هو المتّبع وبما أنه محرّف فذاك طبيعي أن يكون الخطأ والتطرف ظاهر في سلوكيات الطبقة الدينية التقليدية بكل مذاهبها حتى ولو كان المؤثر رجل دين كجورج فوكس في جماعة الكويكر، وما يعنينا هي الأصولية الإسلامية التي تختزل أفرادها العاطفة خلف جشع وطمع الكثير حينما استغل الدين لمصالحه فكانت أيديولوجيا عاطفية متطرفة وليس للعقل مكان فيها وإنما أضحى المنهج يُؤول من فقهاء أشبه بالعوام كما قال ابن رشد الذي شخّص حالة في القرن السادس الهجري متصلة حتى يومنا وهي أشبه بحالتنا حين ننظر للفرق الحزبية لدينا بكل أطيافها ومللها ومذاهبها حتى أصبحت الأسلاموفوبيا مصطلح ترتعد منه الفرائص بعد مسلسلات القاعدة وداعش والنصرة والحشد الشعبي وحزب الله والحوثي والإخوان والذي وجد مفتوهم فسحة فارغة من العقل في أتباعهم بحيث قعّدوا لهم دون الرجوع إلى العلماء الحقيقيين ولا شك أن من يقف خلف ذلك كله السياسة وهذا دهليز طويل يُختصر في السيطرة والنفوذ فلم يتغير شيء من العصور الوسطى سوى التخلف الذي ازداد شراسة مع الألفية الثالثة ونضوج الفكر التقني يقول الدكتور محمد عابد الجابري: (إننا نعتقد أن الدعوة إلى تجديد الفكر العربي أو تحديث العقل العربي ستظل مجرد كلام فارغ ما لم تستهدف أولاً وقبل كل شيء كسر بنية العقل المتحدر إلينا من عصر الانحطاط)، وهذه معضلة كبيرة ولا أعتقد بعد تغير المفاهيم والنظريات أننا نحتاج إلى ذلك ولكن لا بأس في المراوحة بين تلك المرحلة وما بعدها في المعالجة أو التطرق بحيث أن الأمر متصل من ذلك الوقت حتى يومنا وإن توقفنا في كثير من المحطات فالتراث التاريخي العربي والإسلامي كان هدفاً إيديولوجياً في ثقافة المجتمع العربي أولاً وربما الإسلامي مع شيء من التحفظ القومي للآخرين حتى أصبح مفهوماً ابيستيمولوجياً عاطفياً وليس عقلياً تتوارثه الأجيال وإن كان محموداً بحيث أنه انطلاق أساسي كبنية تحتية وكهوية اجتماعية ودينية وتاريخية فلا يُترك أو يُؤخذ كحدث تاريخي فقط حيث يطالب به الليبراليون والعلمانيون كما جنح إلى ذلك طه حسين وإلا أصبحنا عرياً بلا حضارةفمنه تُستمد الرؤى المستقبلية التي يخرج من رحمها التطور والتغير للأفضل من منطلق ثوابت صحيحة يكون العقل أساسها دون شطط وليس من منطلق أحجيات وخرافات تزجيها أقلام عاطفية تستخدم الدين في استجلاب العوام دون تفكير منطقي. فالتراث أداة مثالية حين يكون العقل فيها محور أساسي نستطيع من خلاله بناء حضارة وأن تكون العاطفة بحدودها الصحيحة دون أن تتدخل في الصواب والخطأ. ** **