حين تغلّب حزب الفلاسفة على الكهنوت الكنسي بدأ عصر العولمة والحداثة ثم ما بعد الحداثة والذي وإن كان محموداً علمياً وفكرياً إلا أنه كان سيئاً اجتماعياً ودينياً فقد ازداد الإلحاد والتفسخ والتفكك الاجتماعي وازداد معه الجشع والطمع حتى غدت الحروب الأهلية والخارجية أكثر بشاعة من الحروب الدينية منذ عهد الثورات والخروج من ربقة الكنيسة حين أصبحت الإمبريالية العالمية في أوج طغيانها وقد تبعتها في ذلك الاشتراكية فيما بعد، ولكن هل المقارنة بين الأصولية المسيحية في العصور الوسطى والأصولية الإسلامية في العصر الحديث عادلة ؟! حين نرى ما يحدث من تطرف ظاهري يتبعه قتل وتعذيب يخيل لمن ليس له معرفة أنه المنهج ! ولكن ليس الأمر كذلك. فلا المقارنة صحيحة ولا الاتباع يكون كمثله ونحن إنما نعاني من العقل ونضجه بما يكفي التمييز الحقيقي بين ما هو حق وباطل، بما هو نافع وضار، تمييز المستقبل بتسخير العلم بما يتوافق مع الدين الصحيح حتى لا تغدو الجموع كقطيع العميان تتبع العاطفة وهي تهوي بهم في الجحيم، فلا الإغراء الديني يسمح باجتياز العقل إلى القلب دون وعي ولا السذاجة نجعلها تنتهك الذكاء المتبقي لنا لكن أيضاً لا نجنح بالعقل بحيث نجعله حكماً قاطعاً وملكاً لا متنازع عليه فهناك أمور ميتافيزيقية تتخطى العقل البشري وفهمه البسيط، ولا نسمح للقلب أن يفرض سطوته وجبروته هكذا بدكتاتورية. إذاً هل يكون الأمر متعلق بمرض فسيولوجي؟!، يقول نيتشة: (يُصاب بعض الأشخاص بوسواس نتيجة التعاطف والقلق على الآخرين، ولا تكون نتيجة هذا التعاطف سوى المرض)، قد يكون نتيشة صادقاً إلى حد كبير حين يصل التعاطف إلى القلق فهنا تكون العاطفة هي من تصدر الأوامر وليس العقل الذي نُحّي قسراً ودون إرادة، لقد استغل أصحاب الأهواء من طبقة الانتلجنسيا الدينية تعدد عملية التفسير والتأويل في المنهج لتطويع ما يمكن تطويعه للتأثير على الأيديولوجيا الدينية لعوام الناس حتى أضحت تلك الإيديولوجيا مكوّن عاطفي يقبل الاختراق سريعاً إذا ما كان موضوع النقاش الجهاد أو الحرب وقد أصبحت كاريزما العداء على النصارى واليهود دون تمييز بين محارب أو معاهد بل على المسلمين أنفسهم دون التفكير في المصلحة العامة أو النظر في توازن القوى فتجد السلفي يستعيد الصراع الإيديولوجي الذي كان في الماضي وينخرط فيه كما يقول محمد الجابري، وتجد حتى من لم يكن له في الدين رسم أو وسم متحفزاً متوثباً يسقط الاتهامات وتختنقه اللعنات جراء الخطابات العنترية للساسة الذي يبكي ويتباكى على قميص عثمان ظلماً وبهتاناً بغية الفوز بالقلوب وهو يراها سهلة ليست ممتنعة للظفر بالأصوات واقتطاع النفوذ ليس إلا. فأصبحت الحيلة الغربية في الفوضى مرهونة بشيطنة الشباب المؤدلج عاطفياً وأصبح مصطلح الإسلامفوبيا يعادل محاكم التفتيش التي نعيّرهم بها! حين اُصطنعت لعبة الأحزاب كان الجهل بها إحدى مكاسب الجشعين والتي كان جلّ أهدافها اجترار الوعود تحت خليقة الكذب لكي تستطيع أن تمد رجليها وأن يمدهما من يجهل النوايا باسم الدين بحواضن سياسية إقليمية أو عالمية يتكئون عليها مالياً وإعلامياً ويستلبون العواطف الرقيقة والقلوب الواجفة التي لا تتحمل صورة سياسي مع طفل يتيم أو تقبيل رأس امرأة مسنة لا تدري ما يُفعل بها!. ** **