إيمانًا من مسؤولياتها الصحفية تجاه المجتمع، وانطلاقًا من رؤيتها تجاه وظائفها الصحفية، ممثلة في (مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة الصحفية)، وحرصًا من رئيس تحريرها سعادة الأستاذ خالد المالك، رئيس هيئة الصحفيين السعوديين، ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية، على مواصلة الصحيفة دورها التثقيفي، وأداء رسالتها الثقافية تجاه قرائها، باعتبار الثقافة (أم الوظائف)، في الوسائل الإعلامية، فقد دأبت الشؤون الثقافية بالصحيفة، بإدارة مدير تحريرها الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي، منذ صدور العدد (الأول)، من «المجلة الثقافية»، على أداء هذه الرسالة الإعلامية عبر عدد من مسارات النشر الصحفي، وذلك من خلال (3) سلاسل من الإصدارات: - المسار الأول، ويمثل في (إصدارات الجزيرة)، التي صدرت في عدة مجلدات. - المسار الثاني، الذي صدرت منه سلسلة، بعنوان: «إصدارات الجزيرة الثقافية: من أعلام الثقافة السعودية.. تجارب وشهادات»، حيث صدرت في (10) مجلدات كبيرة، ضم كل جزء منها عددًا من أعلام ثقافتنا السعودية ورموزها وروادها، بشهادات.. ودراسات بلغت العشرات في كل جزء من أجزاء هذه السلسلة الثقافية. - المسار الثالث، يمثل الإصدارات التي تصدرها «كراسي صحيفة الجزيرة»، في عديد من الجامعات والهيئات السعودية، التي تعد ثالث المسارات التي تعزز دور الصحيفة (الثقافي)، وذلك من خلال إصدارات الكراسي العلمية، التي يأتي في مقدمتها: «كرسي بحث صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة» في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، ممثلة في وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي، الذي صدر عنه عديد من الموضوعات العلمية في مؤلفات، تميزت بعمق الطرح، وجودة الموضوع، ونوعية الدراسة، وعمق التناول، وشمولية العرض، وجودة المنهج العلمي الرصين، الذي يعكس مدى اهتمام إدارة الصحيفة، وعمق الرؤية الصحفية تجاه الوعي بأهمية الوظيفة الثقافية للصحيفة تجاه الوطن، والمجتمع، والقارئ، ما جعل من المسارات الصحفية للصحيفة تتنوع وتتعدد المسارات التي تختلف في الأساليب والوسائل وتجتمع في خدمة الثقافة في المملكة، بمختلف جوانبها الإبداعية، والأدبية والفكرية. - المسار الربع، ويتجسد في «ملفات» المجلة الثقافية، التي تصدر عبر المجلة، من حين إلى آخر، حيث أصدرت المجلة عشرات الملفات الصحفية، عن الأدباء والرواد ورموز الثقافة والإبداع، في مشهدنا المحلي، بصفة خاصة، وعديد من رواد الثقافة في الوطن العربي عمومًا، ما جعل من هذه الملفات، تشكل نواة لإصدارات المجلة الثقافية، ما جعل من هذه الملفات رصدًا، وتوثيقًا، واحتفاءً، من المجلة الثقافية، عبر هذا المسار -الملفات- لتكون سجلاً صحفيًا، يحفظ لرموز مشهدنا الثقافي السعودي، كثيرًا من ذاكرة العطاء الأدبي والثقافي والإبداعي، لما له من قيمة وثائقية، سجله شهود المرحلة الثقافية، من مجايلين، ودارسين، وباحثين. مد لا يعرف الجزر! في ظل ما تشهده وسائل الإعلام (المؤسسية) من تحولات، وفي مقدمتها المؤسسات الصحفية، ما جعلها تتخفف مما تتطلبه الوظيفة الثقافية، من تنوع، وعمق، وشمولية، وتحرير، ونشر، فما تزال «المجلة الثقافية»، التي تصدرها (صحيفة الجزيرة)، على المضي في أداء رسالتها الصحفية، ووظائفها الإعلامية، وفي مقدمتها الوظيفة الثقافية، ما جعل من المجلة الثقافية (يانعة الصدور)، أسبوعيًا ما بين (10- 12- 14) صفحة، وذلك امتدادًا لرؤية، ورسالة، ولقيم، وأهداف اختطتها صحيفة الجزيرة، لمواصلة مسيرة الريادة الثقافية، رغم ما تشهده صحافة المؤسسات من تحولات، وما يشهده الإعلام الثقافي من متغيرات متتالية، ومتنامية، لتظل الوظيفة الثقافية رغم ذلك كله، إحدى الوظائف التي راهنت «الجزيرة»، وما تزال على تقديمها والأداء في مضمارها بكل ريادة واقتدار، إلى جانب الصفحات الثقافية (اليومية)، التي تواكب في متابعتها المشهد الثقافي، عبر الفنون الصحفية المختلفة. من حديث البدايات يقول الأستاذ خالد المالك، في حديثه عن سلسلة الإصدارات الثقافية: حين بدأ الزملاء بالتخطيط لفكرة إصدارات خاصة من «المجلة الثقافية» عن بعض الرموز الثقافية في بلادنا، وفي غير بلادنا، لم يدر بخلدهم، أو بخلدنا، أن هذا العمل (التوثيقي) سوف يتطور؛ ليتحول إلى مجموعة من الكتب التي ترصد الجوانب المضيئة في مسيرة كل من كان ضيفًا على صفحات المجلة. أما عن معيارية هذا الأداء، ونوعية الاختيار ودقته، والحرص على اختيار الأعلام الثقافة، فيؤكد الزميل المالك هذه الدقة العلمية، والمعيارية الصحفية، قائلاً: لقد حرص الزملاء في القسم الثقافي -ونحن معهم- على أن يكون اختيار الأشخاص بحسب القيمة الثقافية، وحجم الإبداع في كتاباتهم، ولم تكن العاطفة أو المجاملة حاضرة في أي مرحلة من مراحل إعداد هذه الكتب أو غيرها من الكتب؛ الأمر الذي يجعل من هذا الجهد مرجعًا توثيقيًا للباحثين والدارسين، وعملاً مقدرًا من المختصين، لهذا فإن صدور هذه الكتب إنما هو تأكيد على سلامة قرارنا ومنهجنا، وهو من جانب آخر يظهر أن هذه الأعمال الكبيرة ما كان لها أن ترى النور لو لم يسبقها التخطيط والدراسة والحرص على جودة العمل. بامتداد الفضاءات! كما يأتي واحد من أبرز مقومات امتداد مسيرة العمل الثقافي، وحضوره الذي ما يزال ممتدًا باسقًا، وارف الظلال، عبر «المجلة الثقافية»، هو الحضور «الحقيقي» للمثقفين والمثقفات، بمختلف أطيافهم الثقافية، ومشاربهم الأدبية، والثقافة، بمختلف تياراتها واتجاهاتها، ما جعل من صفحات المجلة الثقافية، عبر أبوابها المختلفة، تشكل لوحة فسيفساء، تمثل خريطة الوطن الإبداعية من مختلف مناطق المملكة، ما جعل من المجلة الثقافية متوشحة بمداد الحياة الثقافية في المملكة، بما تقدمه صفحاتها من هذا التنوع، والتعدد، والتناغم في المحتوى، فقد أصبحت صفحات هذه المجلة عبر مسيرتها حتى هذا العدد (600)، واحة ثقافية متفردة في حضورها الصحفي، الذي ينضم إلى رافدين ثقافيين آخرين، نهضت به صحيفة (الجزيرة). رؤية بصيرتها القارئ! يقول الأستاذ خالد المالك، في سياق حديثه عن هذه الرؤية: أعتدنا في الصحيفة -وتحديدًا في القسم الثقافي- وبإصرار على أن يكون مستوى تواصلنا على هذا النحو من الاحتفاء والتقدير مع كل مبدع وفاعل ومؤثر في الساحة الثقافية، إنما هو تجاوب وتفاعل منا أمام ما نجده من هؤلاء من مبادرات نقدرها حق التقدير، باختيارهم صحيفة «الجزيرة»، لنشر أعمالهم الثقافية والفكرية والإبداعية، لثقتهم بأن «الجزيرة»، هي المكان المناسب لنشره وإطلاع متذوقيه عليه؛ ما جعل من هذه الرؤية القيادية، والقيم الصحفية (المثالية)، والرسالة (الثقافية)، الصامدة عطاءً وتنوعًا ونمواً واستمرارًا، تجعل من (المجلة الثقافية)، مرتكزًا لهذا الدور المؤسسي للصحيفة، الذي ينطلق من المسؤولية الصحفية تجاه المجتمع، وفي مقدمة هذا المسؤولية الثقافية، التي لا تزال ماضية في توهج الدور، باسقة العطاء، شمولية في الطرح، والعرض، متسعة باتساع خريطة الوطن في الزمان، والمكان، والحضور، ما جعلها حافلة بأكثر من (44) كاتبًا وكاتبة، أسبوعيًا، عبر أبوابها المشرعة «فعلاً»، و»تفاعلاً» مع المشهد السعودي الثقافي، والعربي أيضًا، عبر تبويباتها، بدءًا بالأقواس الثقافية، وانتهاء بالنصوص الإبداعية، من انفتاح على الثقافة بمفهومها الشامل، ما جعل من الثقافية -أيضا- وجهة لعدد من عمالقة الأدب ورواد الثقافة وأرباب الإبداع في مختلف فنونه، محليًا وخليجيًا وعربيًا، الذين وصفوها، عبر عديد من المناسبات، ومن خلال مراسلاتهم، وتعليقاتهم، وتعقيباتهم، قائلين: ما تزال «المجلة الثقافية»، في صحيفة (الجزيرة)، مجلة العرب الثقافية. يوم أشرقت الثقافية! وللاقتراب من اللحظات الأولى، لانطلاقة مسيرة «المجلة الثقافية»، فقد وصف هذه الإشراقة، الزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي، مدير تحرير الشؤون الثقافية، بصحيفة «الجزيرة»، عبر إشراقة (العدد الأول) من المجلة الثقافية، قائلاً: في يوم الاثنين الثالث من شهر مارس لعام 2003م كانت «الثقافية»، تسابق شروق ذلك اليوم إلى أيدي القراء، هذا السباق كان الصباح المرتقب لكل من كان له مشاركة في ذلك العدد، نظرًا لما تتميز به الملاحق الثقافية من قيمة لدى عامة المثقفين، وخصوصًا النخب الثقافية، ولما تعنيه للقراء - أيضًا - من قيمة صحفية مقارنة بالصفحات الثقافية اليومية، لما تتميز به الملاحق الثقافية من تنوع بين المحلي والعربي، والمقالات، والدراسات، والنصوص الإبداعية، إلى جانب أبرز الردود، وأبرز الأخبار، وأهم الإصدارات.. وغيرها مما كان للمجلة الثقافية فيه قصب السبق دونما منافس لها في هذا المضمار. خطوة ال600 ولأن العدد (الأول)، من كل الأشياء له قيمته التي لا تصدأ بمرور الزمن، بل يزداد قيمة وأهمية كلما تقادم به العهد، ولكونه أول الغيث، وأول العطاء، وأول الميل، وأول ما لفت الأنظار بنجاح إلى إشراقة هذه الواحة الثقافية الصحفية في المملكة، تلك الإشراقة الثقافية، التي لا تزال تؤكد عمق الرؤية، ودقة التخطيط، وشمولية الهدف، ويقينيات الرسالة الصحفية الثقافية، بوصفها (النخبوي)، وبطبيعتها (الشعبوية) في التلقي، لمختلف الأطياف الثقافية، لنعود بذاكرة القارئ اليوم، إلى ذلك العام، وتحديدًا من ذلك اليوم -الاثنين- وعلى وجه التحديد مع إشراقة ذلك الفجر الثقافي للمجلة، الذي يطالعنا فيها كلمة افتتاحية للزميل رئيس التحرير خالد المالك بعنوان: «المجلة الثقافية: إصدارنا الرابع»، الذي جاء منه: «اليوم هو الاثنين، تذكروا أنه منتصف هذا الأسبوع، وكل أسبوع.. وقد اخترناه من بين كل الأيام موعدًا لكم معنا في سياحة صحفية تليق بكم.. لنقرئكم فيه مجلة أسبوعية جديدة، ولكنها هذه المرة عن الثقافة والمثقفين.. فنحن نرى في قراء (الجزيرة) أنهم جميعًا ودون استثناء يمثلون رقمًا مهمًا في مجموعة الطبقة المثقفة، والمملكة بكل ألوان الطيف الثقافي. أقواس وفضاءات وعن الغوص في «المنلوج» الداخلي، لحكاية (المجلة الثقافية)، وللإطلالة من شرفات «الثقافية»، عبر أقواسها، وفضاءاتها، وما تطرحه من فنون صحفية ثقافية، عبر التقرير، والتحقيق، والاستطلاع، والحوار، ومتابعات ما بعد الحدث، وغير ذلك من صفحاتها الأخرى، التي منها ما يعنى بالكتب، وأخرى بالنصوص الإبداعية.. التي وقف خلف مسيرها كثير من التخطيط، والعطاء، والإنجاز، والإصرار على الاستمرار من محطة إلى أخرى، ومن عقد إلى عقد، لتحتفل المجلة الثقافية، في هذا العدد بمراجعة المنجز، تقييم الإنجاز، بمشاركة، وتفاعل، من اختاروها وجهة لهم من كتّاب، وأدباء، ومثقفين، ومبدعين ومبدعات في شتى فنون الأدب، وحقول المعرفة، ما يجعلنا في حضرة عتبة المئوية السابعة، ورحلة مع عقود أسبوعية ترصد بالحرف الصورة، وبالكلمة المشهد الثقافي السعودي، والعربي، لتظل صفحاتها مساحات خضراء بحجم امتداد مشهدنا الثقافي، والعربي أيضًا. من «حكايات» المئويات! ليست «المئويات» في مسير الأيام، مجرد عتبات على مفارق القرون، كما أنها ليست مجرد (تذكار) في حياة الأمم، والشعوب، والدول، والمؤسسات، والأفراد.. لكنها حتمًا عني الكثير من المعاني، وتستوقف المسيرة أمام كثير من التساؤلات، ذات الدلالات، والمراجعات، التي تستنطق عقود الرحلة، ومحطات السنين، ما جعل من التقييم والتقويم، والتطوير المستمر في المحتوى، أولى الأدوات التي يتم من خلالها على مدى ما حققته «المجلة الثقافية»، من تجسيد للرؤية وأداءً للرسالة وتحقيقًا للأهداف، التي وصفها الزميل خالد المالك، مقالة لها بمناسبة العدد (100)، بعنوان: (المجلة الثقافية في مئويتها..!) الذي استهله قائلاً: «مئة شمعة أطفأناها خلال سنتين انقضتا من عمر مجلتكم.. وها هو الفرح البهي باحتفائنا بذلك يتجدد إبهاره من جديد.. ليرسم لكم مجددًا علامة النجاح والتفوق.. مع وعد بالمزيد والإكثار منه دون توقف وبلا حدود». ما بعد ال 600 منذ المئوية (الأولى)، للمجلة الثقافية، وما تلاها من (مئويات)، لم تكن الفكرة ولا الهدف ولا الغاية «الاحتفاء»، بهذه المسيرة الطويلة، في تاريخ (الملاحق الثقافية)، في الصحافة السعودية، ولم يكن إشراك القراء من مختلف التيارات الثقافية والفكرية والاتجاهات الأدبية والإبداعية، من قبيل مشاركة (الفرح)، والابتهاج، بما كان من سيرة، والاحتفاء بما سيكون من مسيرة! وإنما كانت الغاية أن يقف شركاء هذه المجلة عبر عقودها، ومن خلال (مئوياتها)، على تقييم المنجز، وتقويم مسارات الإنجاز، إِذ كان وما يزال قراء (الجزيرة) هم الرهان، وهم الوجهة، في مختلف مسارات العمل الصحفي، ما يجعل من العدد ال(600)، وقفة يتجدد فيها قول القراء، على فعل المجلة الثقافي. يقول الزميل الدكتور إبراهيم التركي، في افتتاحية المئوية (الأولى)، بمقالة عنوانها (دون رقيب)، جاء منه: «فكرنا في العدد ال(100) فكان رأي الزملاء طرح «الثقافية» أمام الجميع، لا من أجل «إحراق بخور» أو «نثر زهور»، بل لتأمل «الفشل» وشخصنة «الخلل» مما جعل رسالتنا لمن هاتفناه أو كاتبناه أو دعوناه «الجفلى» أن يحدثنا عن إخفاق الأمس.. وتطلع الغد.. فشئنا -بدءًا- أن نحاكم «الثقافية»، وفي محاكمتها محاكمة للواقع الثقافي المحلي، فيها نتاجه.. وفيها انعكاساته.. وانتكاساته.. ولاحظوا أننا لا نركز على الإنجازات، فليس بمثل هذا تنطلق الخطوات». ما جعل من هذه الرؤية منهاجًا (مئويًا)، يرسم خريطة عقود ثقافية من مسيرة المجلة الثقافية، من مئوية إلى أخرى، عبر صفحاتها، التي يسهم قراؤها في كل مئة، بالمشاركة في تطوير مسيرتها، والتفاعل مع مسيرها، في رحلة لا تزال تواكب رصد المشهد الثقافي.. تستقرئه.. تحاوره.. وتقاربه بمختلف الفنون الصحفية، لتظل «الثقافية»، بمختلف مساراتها سجلاً وثائقيًا، وذاكرة رصينة لمشهدنا الثقافي السعودي، والعربي، لتظل في كل (مئوية)، كما هي عادتها، في مراجعات مع قرائها، تستشرف بهم.. ولهم المستقبل الثقافي، عبر مجلتهم الثقافية.