المجتزأ الآتي نشر قبل نحو 11 عاماً (.. قرن من الإعداد.. اسمحوا لي أن أستعير هذا التعبير لأسمح لكم بمرافقتي إلى الحلم البعيد الذي لا أتصور أن يصله أو يراه حقيقة الكثير منا.. هذا إن قدر لذلك الحلم أن يكون واقعا وحقيقة.. (ومن يدري)؟! فلربما جاء بعدنا من يحتفل بمرور (قرن من السنين) على صدور (الثقافية) لتكون مئوية سنين.. لا مئوية أعداد.. إذا فلنحلم ولنتخيل أن مئوية السنين حتما ستكون.. وعليه فلابد أن ندون لهم في مئوية الأعداد ما سيحتفلون به.. كيف كنا نكتب ونحرر ونحاور ونوجه ونواجه وننقد وننتقد.. كيف كنا نعمل في مطبخ (الثقافية) ما هي المقادير التي نركز عليها وما هي الظروف التي نراعيها تبعا للجهاز الهضمي لدى قرائنا ومجتمعنا باختصار ما هي المجلة الثقافية من الغلاف إلى الغلاف؟!..) كان هذا عندما احتفلت الثقافية (المجلة سابقاً.. المجلة الصحافية حالياً) بصدور 100 عدد.. أي بعد نحو 3 سنوات من صدورها.. وهاهي التحولات تبحر بمراكب الصحافة والإعلام في بحور التبدلات والإزاحات والإحلالات عبر تيارات المال والموازنات وأشكال النشر الإلكترونية الجديدة وغيرها.. فلا تنبؤٌ يجدي ولا استقراءٌ يعين.. كل ما يمكن صنعه لا يخرج عن إطار المحاولة غير المضمونة.. المهم في تقديري أن تُجارى تيارات المستجدات بما يضمن بقاء النوع وذات الروح الأولى.. وإن تحصّل هذا فهو انتصار عظيم.. عن بدايات الثقافية لا أزال أتذكر قبل نحو 14 عاماً.. اجتماعاتنا مع الزميل الدكتور إبراهيم التركي (رئيس القسم الثقافي حينها.. مدير التحرير للشؤون الثقافية حالياً) في القسم الثقافي بالجزيرة.. كنت حينها حديث عهد بالصحافة جملة وتفصيلاً حين انضممت إلى أسرة تحرير الشؤون الثقافية عن طريق الزميل الأستاذ عبدالحفيظ الشمري الذي علمني حروفي الصحافية الأولى بكرم نبيل وأنا لا أزال في المستويات الأولى بقسم الإعلام بجامعة الإمام.. وعن بدايات صفحات الثقافة في صحيفة الجزيرة يقول الدكتور التركي إنها بدأت بصفحات أسبوعية تحت مسمى ثقافة وأدب وثقافة في معظم المراحل.. وفي إحدى الأعوام أسميت : «أهل الأدب» دون رضا من مشرفها الدكتور التركي، ثم عادت إلى اسمها الأساسي (أدب وثقافة) ثم صارت (ثقافة).. وأبرز من أشرف عليها: الدكتور أحمد خالد البدلي أستاذ الأدب الفارسي في آداب الملك سعود والأستاذ حمد القاضي والأستاذ صالح الأشقر وأخيراً الدكتور إبراهيم التركي وفي وقته تحولت إلى ملحق أسبوعي إضافة إلى الصفحات اليومية.. ثم قدمها على شكل ملحقين أسبوعيين ( الأحد والخميس ) مع الصفحات اليومية 1996-2003م ثم صارت مجلة ثقافية منفصلة في 3-3-2013.. وها هي الآن تتحول إلى مجلة ثقافة متصلة بالعدد الأم للصحيفة.. أعود إلى مرحلة ولادة المجلة الثقافية.. وقتها كانت الجزيرة تصدر ملحقاً خميسياً في 6 إلى 8 صفحات.. كانت الجزيرة حينها تستقبل عودة الأستاذ خالد المالك إلى رئاسة التحرير بتفاؤل وأمل كبير.. وكان «أبو بشار» يعمل بوعي ودهاء صحافيين بالغين.. كان الجميع يترقب ما الذي سيصنعه لانتشال الجزيرة من سقوطها المدوي.. فإذا به يخرج بفلسفة «الوثبات» التي تمثلت في إطلاق الإصدارات الخاصة وكانت أولاها مجلة الجزيرة الثلاثائية.. تبعها الإصدار الرقمي.. ثم الوثبة الثالثة وهي المجلة الثقافية.. هذه الوثبة التي لم نعلم عنها.. كل ما في الأمر أننا كلفنا بتجهيز محتوى ثقافي صحافي منوع وشامل استعداداً لخطوة تطويرية قريبة وغير واضحة المعالم.. فصدرت الثقافية واستقبلها المشهد الثقافي باحتفاء بالغ.. ومضت في قيادة المشهد الثقافي المحلي بصورة لا تخفى على الجميع.. رحلة في مسيرة المحتوى الجديد الذي انفردت بتقديمه الثقافية منذ انطلاقها تمثل في المحتوى.. والمحتوى هو لب العملية الاتصالية في مختلف أشكالها ومستوياتها.. بل هو اليوم في بيئة الاتصال الإلكتروني سيد المشهد الأخير.. اختطت الثقافية مساراً خاصاً في تقديم المحتوى ينهض من خلال ثلاثة مرتكزات؛ الأول يتمثل في المحتوى التحريري المهني الذي يقدمه المحررون.. وهو ما استهدف أولاً وثالثاً وثانياً تقديم أعمال غايتها الأولى قيادة المشهد وتوجيه الرأي العام الثقافي من خلاله إلى قضايا مفصلية تمس صلب الفعل الثقافي المحلي.. مثل ملفات الأندية الأدبية التي قادت عملية تصحيحية شاملة شهدها المجتمع الثقافي كاملاً.. رغم نيران الأعداء التي تلقتها الثقافية حينها بصفحات بيضاء.. الأجمل في هذا السياق تتابع منابر أخرى نحو ميدان الكتابة الذي أشرعته الثقافية وقادة بل وصنعت من خلاله رأياً عاماً أثمر نتائج بقرارات رسمية مفصلية.. المرتكز الثاني تمثل في فتح مساحات لا محدودة لرأي الثقافي العام عبر أقلام جديدة واتجاهات جديدة وبتجرد تام يتسع لأطياف الفكر كافة دون أي محاولة للإقصاء.. بما فيها ما يتعرض لنقد «الثقافية» ذاتها أو أهل بيتها.. يحدث هذا تحت سقف لا يكاد يرى من محظورات النشر.. بل بمتن عال من حرية الطرح والفكر والكتابة.. وهو ما أثمر حالة من إنتاج الأسماء وتقديمها للمشهد المحلي كاملاً.. والشواهد أجلّ من أن تستدعى لأقلام كثيرة ولدت من رحم الثقافية وها هي اليوم تسهم في الإبداع والكتابة بمختلف أجناسها عبر منابر ومنصات الوطن.. المرتكز الثالث يتمثل في تكريم الرموز وهم أحياء.. على عكس السائد عربياً حين لا يكرم الرمز إلا بعد موته وكأن الموت شرط التكريم الأول.. اختطت الثقافية هذا المسار مكرمة العديد من الرموز المحلية والعربية عبر ملفات منوعة تقرأ تجربة المحتفى به وتحلل أبرز المحطات والمنعطفات في مسيرته.. الأجمل أن هذه الملفات تحولت إلى سلسلة إصدارات كتابية تحت مسمى سلسلة إصدارات الجزيرة الثقافية وقد تجاوزت إصداراتها عشرة إصدارات.. شكل التحول اليوم تدشن «الثقافية» مرحلة مهمة ومفصلية في مسيرتها.. وهي تستهل ظهورها الجديد ضمن قالب صحافي جديد.. بتطويرات وإضافات متجددة.. وبامتدادات نهجها وأسسها التحريرية العميقة التي تباشر من خلالها رسالتها الصحافية الثقافية.. وكما يلحظ القارئ الكريم.. تستمر الثقافية بذات التسلسل العددي الذي ابتدأته منذ ظهورها عبر وثبة الجزيرة الثالثة.. بالإضافة إلى محاولة الإبقاء على هوية الغلاف القائمة على تقديم عمل فني مستقل في الغالب ومعبر في حالات خاصة عن أبرز موضوعات المحتوى.. مع جملة من الإضافات التحريرية التي تركز في الغالب على الجانب «الرأيي» الذي يتجه نحو مساءلة الأفكار ومناقشة تشكلها وتشكيلاتها.. بعيداً عن المحتوى الإخباري الصرف الذي بات طبقاً إلكترونياً بامتياز لا يجرى.. تهويمات ما لا يرى على هذا النحو ستمضي ثقافتكم على الأقل في المدى القريب المنظور.. أما الحال الذي ستكون عليه الثقافية والحقل الصحافي كاملاً محلياً وعالمياً فهو في طي الجسد الاتصالي الافتراضي الذي تسير في أوردة موجاته دماء إلكترونية لا تهدأ ولا تتنبأ بما تنقله أو تقوله أو تقتله.. الثابت في البيئة الاتصالية الإلكترونية أننا أمام حالة من التحول السريع المتسارع.. وكل من يتعاطى مع معطيات هذه البيئة فهو في حالة تحول مستمر إن أراد المجاراة والتفاعل والتأثير وإلا فإنه سينظم حتماً إلى الأغلبية الصامتة.. أكتب هذا التقرير الاستهلالي لحالة من حالات التطوير والمجاراة المفروضة بالحتمية لا بالاختيار لأي وسيلة إعلامية جماهيرية حية تشعر بما يجري من حولها وتتحرك بما يضمن لها البقاء.. وبالغد المقبل حتماً سيكون هناك حالات تحول أخرى ربما تكون إحداها مغادرة الورق والأرض تماماً والالتحاق بسكان السحابات الإلكترونية.. وربما كانت ارتدادة معاكسة تعيدنا إلى زمن تهويمات ما لا يرى حين كانت العملية الاتصالية قائمة على تهويمات رمز ما.. مثلما كان يفعل جدنا القديم بنار الجبل كرمز تستقبله الأعين وتمضي في تهويمات دلالاته العقول والأحداس..