حينما وصلني إعلان المجلة عن الاحتفاء بصدور العدد (600) شعرت بسعادة غامرة، وبرهبة الكتابة عن مجلة احتوت مقالاتي، واحتملت انقطاعي بين حين وحين لظروف الغربة والدراسة سابقاً، ثم لمسؤوليات العمل مؤخرًا. وبقيت المجلة الثقافية ومدير تحريرها المثقف القدير د. إبراهيم التركي يحملان من الوفاء والحرص على استمراري ما تعجز سطور مقالي هنا عن شكر هذا النبل والعطاء، ولكن حسبي أن أكتب عن غيض من فيض ما قدمت هذه المجلة للثقافة والمثقفين والباحثين والمشهد الثقافي المحلي والعربي. من تابع المجلة الثقافية منذ صدور عددها الأول حتى اليوم يلمس جيدًا تميزها ثقافياً ومهنياً والتزاماً بالحياد التام في قضايا فكرية وثقافية دارت حولها المعارك واشتعلت الأقلام حروباً وتحيزاً، فكانت صفحات المجلة ساحة مفتوحة للحوار بين المختلف والمؤتلف. وما زالت تسير بنفس الخطى فاحتفظت بحيويتها، وجددت شبابها، وطوّرت لغتها في عصر رقمي لم ينقص من مكانتها شيئاً عند قرائها ومتابعيها. جاء حرصها وتركيزها على تنمية الثقافة العامة ونشر الموضوعات والأخبار الثقافية والأدبية والفنية علامة فارقة لها عن غيرها من الملاحق الثقافية التي عجزت عن مواكبة الإعلام الرقمي فغابت بعض الصفحات الثقافية، وبهت وتقلّص بعضها الآخر بشكل لا يرضي تطلع القارئ الجديد، ولا يعكس الحراك الثقافي الذي نعيشه اليوم. ولهذا كله، فالأحرى بنا أن نحتفي باستمراريتها وتطورها وقدرتها على تجديد أقلامها وموضوعية خطابها مع التحولات الثقافية المتلاحقة على مدار سنوات صدورها، لتترك أثرها الإيجابي في الحياة الثقافية والأدبية والفكرية المحلية والعربية. التنوّع الذي تميز به محتوى المجلة الثقافية يعود إلى حرص فريق التحرير فيها على استكتاب أصحاب الأقلام من كتبة هذا العصر في الداخل والخارج. فكلنا قرأنا مقالات وحوارات وقراءات لرموز ثقافية وقامات أدبية سعودية وعربية شكلت مادة بحثية ومراجع علمية موثوقة لكثير من الباحثين في الأدب والنقد واللغة. فمن خلال أرشفة أعداد المجلة السابقة قدمت خدمة علمية للباحثين الراغبين في الاطلاع والقراءة حول موضوع أو قضية أو شخصية ثقافية. وأتذكّر أني عانيت كثيراً في مرحلة جمع المدونة البحثية أثناء إعدادي لبحث علمي، حيث كانت الدراسة تتطلب تحليل ما نشر في الملاحق الثقافية في الصحف العربية حول قضية معينة. ولأن الصحف العربية متأخرة كثيراً في العناية بالأرشيف وأهمية ذلك للحفاظ على تاريخ وإسهامات المؤسسة الصحفية، لم أجد ما يكفي من مادة علمية تصلح للدراسة باستثناء ما وجدته في أرشيف المجلة الثقافية التي عملت بحرفية عالية على أرشفة مقالات كتابها لسنوات عديدة بتنظيم يحسب لها وتستحق الإشادة بتجربتها وتميزها. وقد استفدت كثيراً مما وجدته في هذا الأرشيف الذي شكّل مادة أساسية لبحثي العلمي في استقراء القضية التي عالجها البحث. وستظل هذه المجلة رافدًا مهماً وموثوقًا به لكل باحث ومثقف في ظل سعيها المستمر إلى الرقي بخطابها، ومحتواها، وإخراجها الفني، ودعمها لأقلام شابة واعدة إلى جانب احتفائها وتقديرها لرموزها وكتابها الذين سطّرت أقلامهم ملحمة متميزة في مسيرة هذه المجلة الثقافية لسنوات عديدة. وأخيراً، فإن غاية ما نرجو الوصول إليه هو إقبال السواد على مطالعة ما نشر وما تنشر أعداد هذه المجلة للوقوف على تطور خطابنا الثقافي خلال العقود الأخيرة وفهم كثير من القضايا الفكرية والثقافية التي كانت حافزاً للأدب والإبداع المحلي. ** **