قال الدكتور الناقد عبدالله الغذاميّ، في تقديمه ل«درب جدتي»: مفتتح الحكايات عن الجدة التي ابتلعها الوادي، ورحلت مع شعابه مخلفة وراءها لغزها الذي رحل معها! والجدة مع الوادي، هما رمز الحياة الماء والحكايات، تماما مثلما شهرزاد رمزا يربط بين السرد والحياة»، وهذا تماماً هو ما جمعته هيا بنت راشد الزهير، في هذا الكتاب، الصادر عن دار المفردات، 2018، في اثنتين وسبعين ومئة صفحة من القطع الكبير، متضمنا (70) قصة، جمعتها وأعادت هيا تدوينها، ومراجعتها، وتوثيق ما احتاج إلى ذلك من قصص «واقعية»، ومن وقت لنظيره، طيلة ست سنوات، واصلت الزهير جمع (حلمها)، واصفة ذلك بقولها: ظلت أمنية كتابة هذه القصص تراودني، حفظا لها من الضياع، ولكن ذلك لم يكن بالأمر اليسير، فالحكاية الشعبية جنس سردي سماعي صعب التكوين، وليس من السهل كتابته، ونقله من أصوله الشفهية المسموعة غلى فضاء الكتابة والقراءة. وعن دافعي إصدار الكتاب، قالت هيا: الأول ما كانت تدفعني إليه أمي من حكايات ترويها لي عن نساء حريملاء، أما الآخر فمنذ العام 2012 الذي صدر فيه كتاب «الجهنية»، للدكتور عبد الله الغذامي، نشأت لدي فكرة جمع هذه الحكايات، من حوار دار حول الكتاب، فالغذامي من أشعل فتيل الحماس لجمع ما ضم الكتاب من حكايات لحفظها، غذ بدأت الفكرة بكتابة سير تخلد حياة نساء كبيرات من حريملاء، ما جعل الفكرة تتحول شيئاً فشيئا إلى جمع للحكايات الشعبية، فلقد حرصت على أن أتحرر من شخصيتي الأكاديمية وأنا أدون هذه الحكايات، فتقمصت دور الجدة التي تحكي لتمتع وتبهر من حولها، مع الاعتناء بنقل الحكايات من الشعبي إلى تدوينها بلغة فصيحة، مع مزجها ببعض الألفاظ والمسميات والمصطلحات الشعبية، بهدف فتح باب التجريب في هذا الفن السردي، وإضفاء شيء من الجدة عليه، لذلك حاولت جاهدة أن أتمثل سياقات القصص وأماكنها، حتى تستقيم في شكل سردي مقبول ، دون التزام بالشكل الفني للحكاية أو القصة دائما.. جاء ذلك في حوار هيا الزهير ل»المجلة الثقافية». * ضم إصدارك مجموعة قصص «حقيقية»، قمت بتوثيقها، والإشارة إلى مصادرها، فكيف ترين قدرة الحكاية (الشعبية) على أن تكون مصدرا «أصيلا» من مصادر أدبنا المحلي؟ تمثل الحكاية الشعبية جزءاً مهماً من التراث الشعبي لأي أمة من الأمم، ويمكن أن تكون مرآة هامة للمجتمع الذي نبتت فيه، فهي تعكس جوانبه الاجتماعية والدينية والفكرية في إطار زمني معين، ولكن بشرط إحكام توثيقها ومعرفة أصلها بسبب التداخل والتشابه الكبير بين منبت كثير من الحكايات الشعبية، فالأصالة والتوثيق العلمي شرط أساسي لتصبح الحكاية مصدراً. * ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في جمع (70) قصة شعبية، وفي تدوينها؟ الصعوبات كثيرة، من أبرزها صعوبة نقل الشفهي إلى المكتوب، فالحكاية الشعبية جنس سماعي يصعب كتابته ونقله إلى اللغة الفصيحة، أيضاً ضيق الوقت في ظل ظروف الدراسة ومشاغل الحياة المختلفة، وعدم توفر المصادر الموثوقة، وغياب كثير منها بالموت أو صعوبة التواصل معها للمرض وكبر السن والنسيان . * يرى الدكتور معجب العدواني، أهمية النظر إلى الأدب الشعبي بمنظور جديد، من خلال الانتقال به من المشافهة إلى التدوين؛ فبم تصفين «درب جدتي» عبر هذه المقولة؟ هي محاولة وتجربة لحفظ جزء من تراثنا الشعبي من الضياع، ف«درب جدتي»، جزء من ذاكرة أمي، وذاكرة الجدات، وذاكرة حريملاء والوطن الحبيب . وكما قال الدكتور معجب تدوين التراث الشعبي أصبح ضرورة ملحة حفظاً له من الضياع . * من أهم عناصر تسويق الكتاب (الغلاف) و (العنوان)، فهل اختلف تقييمك لهذين العنصرين بعد أن أصبح «درب جدتي»، متداولا بين أيدي القراء؟ أرى الغلاف مناسبا لموضوع الكتاب، وإن كان مختلفاً عن الصورة الخيالية التي ظلت محفورة في خيالي «لدرب جدتي» وتمنيت لو استطاعت ريشة رسام أن تصوره! * من خلال تجربتك في تدوين الأدب الشعبي، فبم تعلقين على المقولات التالية: - هناك قصص نستطيع روايتها، لكننا لا نستطيع كتابتها! ينطبق ذلك على الحكاية الشعبية بنسبة كبيرة، فهناك حكايات كثيرة توقفت عن تدوينها لعجزي عن نقلها من المروي إلى فضاء الكتابة ! - حكاياتنا الشعبية المحلية، غنية بعوالم الأساطير! أرى الحكايات الشعبية وخاصة في نجد بعيدة عن الأساطير بجنسها المعروف، وهي قصص الآلهة والأرباب المستمدة من التاريخ ولعل الحكاية الخرافية أكثر انتشاراً في ثقافتنا الشعبية. - تظل الحكاية الشعبية (متنامية)، حتى يتم تدوينها! الحكاية الشعبية فن قولي، وهي تنمو وتتمدد ويكتب لها الاتساع عن طريق الرواية الشفهية، ولكنها إذا دونت فإنها ستكتسب صفة الثبات، وهذا ينافي طبيعتها . - بدأت هيا الزهير درب جدتها «راوية»، وانتهت إلى «قاصة»! فن القصة هو الأقرب لي، وهو ما ساعدني على رواية وكتابة درب جدتي . * روت والدتك قصصا منها ما روته عن جداتها، لكنك استطعت بتميز استحضار تفاصيل المكان، ورسم صورة البيئة (الزمكانيا)، دونما تدخل، فما الذي وقف خلف هذا التمكن من تدوينك لها؟ لعله الخيال الذي تشكل منذ الصغر في تلك البيئة الجميلة، وأيضاً دقة الوالدة - حفظها الله - في نقل تفاصيل وأحداث تلك الأماكن، وكأننا نراها رأي العين، لذلك أصبحت أعيش معها داخل ذلك الماضي متجاوزة حدود الزمان والمكان! * هل ستواصل هيا جمع الحكايات الشعبية، وما الرسالة (الأكاديمية) التي توجهينها تجاه الأدب الشعبي؟ بإذن الله أتمنى أن أستمر في جمع الحكايات الشعبية، وخاصة بعد تجربتي الأولى التي قدمت لي كثيراً من الثراء والمعرفة في هذا المجال، مما يجعلني أطمح إلى تقديم الأفضل في سبيل خدمة تراثنا الشعبي الشفهي، وإن كان من رسالة أوجهها فهي: إن الأدب الشعبي جزء من تراثنا الذي يشكل تاريخنا وهويتنا، ويجب علينا أن نسعى للحفاظ عليه، وأن نجعل منه منبعاً يمتح منه أدبنا الفصيح.