منذ أن كان الإنسان عدوًا لما يجهله أصبح التغيير كابوسًا يطارده. وباتت فكرة التطوير مُستبعدة وذلك من باب الخوف من الفشل أو عدم الاعتياد. فنجد من يستمر في تخصصٍ لا يُحبه ومهنة لا يُتقنها رغم إلمامه بذلك خشية التغيير المفضي للفشل. أو قد يكون هذا التغيير مسببًا لفقده أشواطًا قد قطعها في خطه القديم. هذا الخوف يصيب الفرد بالتردد والتوتر وعدم الرضا فيجعله حبيسًا للحظة لا هو القادر على استيعابها وعيشها ولا الذي يقوى على اتخاذ خطوة تقوده للأمام من شدة خوفه. بلا شك التغيير ليس بالأمر السهل فهو كما قال عنه «الكندي/الهندي» روبين شارما: (التغيير صعب في البداية، وفوضوي في المنتصف، ورائع في النهاية). إذًا هو عملية استشفاء تام تمر بمراحل وبحاجة لقرار وعزيمة والكثير من الصبر، والإنسان الطبيعي محب للتغيير بالفطرة، فالملل صديقٌ وفيّ للبشر، كما أن التقدم بالعمر وخوض التجارب يدعو للتغيير بسبب النضج الذي تمنحنا إياه الخبرة. وبما أنها مسألة شمولية وتطال كل ما نمر به فهي شاملة للأفكار أيضًا، تغييرك لفكرة ما كنت قد تشبثت بها لأعوام لا يُعد تلونًا بل تمسكك بها رغم زوال قناعتك هو تعصب وتزمّت وعناد لنفسك، فالمجتمع الصحيّ متطور متقدم، والفرد هو لبنة هذا المجتمع. لم يخطئ الروائي نجيب محفوظ حين قال: (نحن لا نموت حين تفارقنا الروح وحسب، نموت قبل ذلك حين تتشابه أيامنا، ونتوقف عن التغيير، حين لا يزداد شيء سوى أعمارنا وأوزاننا). إذًا التغيير نظير الحياة التي لا تنتظر أحدًا فهي تبدل أحوالها وتلبس ثوبًا جديدًا كل يوم. فما حال من يتشبث بفكرةٍ بالية أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد موائمة للمعطيات الزمانية والمكانية الحالية، هو كمن يبقى متسمرًا في مكانه لا يغادره، بينما البشر من حوله يرتقون ويتنقلون من فكرةٍ إلى أخرى بُغية التطوير والمواكبة. هذا حال الكثيرين ممن يقفون أمام ما نمر به من نقلة فذَة نوعية في شتى المجالات، فاغرين الأفواه عابسين الوجوه يحوَقلون ويستغفرون مما يصنفونه ذنبًا يزدرونه لمجرد أنه يخالفهم وهم لم يتكلفوا حتى عناء البحث عن ماهيته وأهميته وحكمه وأصله، بل اكتفوا بمحاربته كما حورب الفكر السابق الذي كانوا يعتنقونه. كل فكرة نتشبث بها بحكم أنها ما ورثناه وألفناه، كانت في السابق فكرة طارئة دخيلة لم يألفها من سبقونا وحاربوها ثم اعتنقوها فآمنوا بها كدستورٍ مُنزَّل عنه لا يحيدون. فهم يتعاملون مع مووثاتهم وأعرافهم بقدسية ويمنحونها خلودًا أبديًا، ولا يعلمون بأنهم يضمحلّون بينما يستمر التغيير. مَخرج: التغيير هو وحده الأبدي الدائم الخالد. - «أرتور شوبنهاور» ** ** - حنان القعود