شهدت المملكة على المستويَيْن الرسمي والشعبي احتفالات واسعة النطاق عند الساعة ال12:12 ظُهرا بتوقيت بكين يوم الجمعة 7 ديسمبر 2018م, عكست الفرحة الواسعة, والسعادة الغامرة، وتبادل خلالها السعوديون التهاني والتبريكات عبر الوسائل الإعلامية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي, مبدين فخرهم واعتزازهم بهذا المنجز الوطني الكبير؛ وذلك بعد إعلان نجاح السعودية في إطلاق القمرَيْن الصناعيَّيْن «سعودي سات 5أ» و»سعودي سات 5ب» من قاعدة «جيوغدان» شمال الصين، الذي حققه وأسهم في نجاحه بعض الكوادر السعودية من شباب وشابات الوطن المدربين بأحدث تدريب، والقادرين على الإنجاز. «الجزيرة» التقت قائد «فريق التجميع والاختبار للأقمار الصناعية», المهندس محمد جابر الرويلي, وكشف النقاب عن محطات سابقة من حياته العلمية، وبعض المعوقات والصعاب التي واجهته بعد تخرجه من الجامعة، وخلال رحلة البحث عن «عمل», التي كادت لتثنيه عن مواصلة مسيرته العلمية والعملية ولكنه تجاوز ذلك بعزيمته وطموحاته التي مكنها وسخرها لخدمة وطنه وقيادته لتحقيق رؤية وتطلعات القيادة الحكيمة التي تقود مشروعًا تنمويًّا وحضاريًّا واقتصاديًّا هائلاً, ضاربًا أروع الأمثال في عزيمة الشباب السعودي الناجح والطموح.. وهو ما تحقق لهذا الشاب السعودي الذي يشغل الآن منصب باحث أكاديمي بمرتبة معيد في «المركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية» التابع لمعهد بحوث الفضاء والطيران بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وقال المهندس الرويلي: «لقد تخرجت في عام 1429 ه من ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز بمدينة صوير شمال منطقة الجوف بمعدل 99 %. ولظروف خارجه عن إرادتي لم أتمكن من دخول الجامعة في العام نفسه. وهنا بدأت رحلة التحدي والعزيمة والثبات، واستطعت تخطي الصدمة الأولى وبعض معوقات الحياة. بعد ذلك العام التحقت بجامعة الجوف في عام 1430ه، ونجحت في تجاوز السنة التحضيرية (المسار الشامل) بمعدل (5/ 5 %)؛ وحظيت بتكريم شخصي من قِبل مدير جامعة الجوف الدكتور إسماعيل البشري. بعدها فُتحت جميع الخيارات أمامي لاختيار القسم والتخصص، وكان ميولي الدخول في كلية الهندسة, واخترت تخصص (الهندسة الكهربائية - الاتصالات والإلكترونيات)، وانطلقت في سنوات دراستي الجامعية أنهل من معين العلم, وتخرجت من كلية الهندسة عام 1435ه محققًا المركز الأول بمعدل (4.97/ 5 %)». وأضاف: لم أكتفِ بعد تخرجي الجامعي، بل زادت رغبتي في إكمال دراساتي العليا. هذا الهاجس ظل يلازمني ويؤرقني ليل نهار, لكن كانت الصدمة الثانية؛ إذ منعني اشتراط العمر من الالتحاق ب «برنامج الابتعاث» لتجاوزي العمر المخصص للقبول. فكرت بعدها في أن أطرق أبوابًا أخرى؛ لعلي أعبر لتحقيق حلمي. وهنا حدثت الصدمة الثالثة بعد أن حاولت الالتحاق بوظيفة معيد في عدد من الجامعات؛ وكادت كل طموحاتي تنهار وأنا أشهد اعتذار الجامعات الواحدة تلو الأخرى, معتذرة لأسباب عدة، إما لعدم وجود شواغر وظيفية، وإما لكون عمري أيضًا تجاوز السابعة والعشرين ب «أشهر قليلة». وتابع: عملت في إحدى الشركات لمدة سنتين, لكن ما زال ذلك الهاجس المسكون داخلي يقض مضجعي، ويستيقظ داخلي كل فجر (الدراسات العليا) حتى أسقط في يدي في أحد الأيام «إعلان وظيفي» بخصوص توافر وظائف أكاديمية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وبدون تردد تقدمت بطلب للوظيفة، ووُفقت للانضمام لهذا الكيان الكبير, وقُبلت على وظيفة «باحث أكاديمي» بمرتبة معيد في «المركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية» التابع لمعهد بحوث الفضاء والطيران بالمدينة. وهنا كانت بداية دخولي عالم صناعة الأقمار الصناعية، هذا العالم المليء بالتحديات والشغف؛ إذ وجدت ضالتي فيه.. نعم، هذا ما كنت أبحث عنه. وحول تجربته بعد الالتحاق بالمركز قال الباحث والأكاديمي «الرويلي»: لاحظت الإدارة شغفي الشديد, ورغبتي بتسليم وتقديم أعمال نوعية منجزة بكل مهارة وعناية؛ فشجعتني؛ فكان لهذا التشجيع أثره؛ إذ أصبح بمنزلة حافز ودافع جديد بحياتي, استشعرته حين منحتني الثقة؛ فتم تعييني بمنصب «قائد فريق التجميع والاختبار للأقمار الصناعية». وتتلخص مهام هذا الفريق بتجميع جميع أجزاء وأنظمة الأقمار الصناعية بعد انتهاء الفرق الأخرى في المركز من مراحل التصميم والتصنيع والاختبارات لهذه الأنظمة، ومن ثم دمجها وتركيبها في هيكل القمر الصناعي, واختبارها اختبارات وظيفية. كما تُجرى لها اختبارات بيئية، تحاكي بيئة الفضاء الخارجي. فانطلقت رحلتي العلمية والبحثية متزامنة مع مشروع «القمر الصناعي سعودي سات 5», هذا المشروع الوطني الجبار الذي يتكون من قمرَيْ الاستطلاع «سعودي سات 5أ, وسعودي سات 5ب». وهما قمران للاستشعار عن بُعد من الجيل الثاني الذي يتميز بالتصوير عالي الدقة. عملت مع فريق مميز، فريق يقوده الشغف للنجاح، ومواجهة التحديات والصعاب. وبفضل الله تمكنا من إنهاء المشروع الذي دخل حيز التنفيذ بعد نجاح مشروع «سعودي سات 4» عام 2014م في الوقت المحدد له، وفق خطة المشروع وتجهيز الأقمار للشحن إلى قاعدة الإطلاق في الصين, وقد كنت أحد أعضاء فريق الإطلاق لهذين القمرين للقيام بإدارة مهام التجميع والاختبار النهائية للأقمار قبل إطلاقها للفضاء. ولا أنسى تلك اللحظة الفارقة التي طالما حلمنا بها (أعضاء الفريق). وتابع: لم أستطع لحظتها أن أحبس دموعي من الفرح بعد نجاح الإطلاق، والتمكن من الاتصال مع الأقمار من أول مرور عن طريق المحطة الأرضية في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. والآن نحن بصدد البدء بإجراءات الابتعاث لمرحلة الماجستير عن طريق برنامج ابتعاث مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية «تخصص هندسة الفضاء والأقمار الصناعية» في إحدى الجامعات العالمية الرائدة في هذا المجال.