1-نبذة / عن أبي القاسم الشابي، وأجوائه: قاسى - الشابيُّ- باكرا ، حتى قضى نحبه ولم يبلغ السادسة والعشرين، إذ ظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً ، أو كالمجهول ، وكانوا لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا: أداء السل هو، أم مرض القلب؟ وإن كان ..على ما يبدو مصاباً بالقلب منذ نشأته (وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه)، فازدادت حالته سوءاً بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن، فانتقل لرحمة الله في صباح يوم الاثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353 ه.، فيما المولد كان/ في الثالث من شهر صفر سنة 1327 ه وذلك في مدينة «توزر « التونسية. 2- وهو (شاعر) مجيد نسج نهج القدماء في جماليات نظمه من خلال الحفاظ على قافية الشعر ورويّه، ما جعل من عطائه رصينا جذّابا، كما وبقي بعدها مغرياً للذائقة التي نهلت من إنتاجه كثيرا من مؤثرات ما قصد في أغراض شعره. 3- وأخصّ هنا موطن (( بحثي )): جمال الذكرى ، والمواضي الأجملا، فالرتم ( الحزين ) الذي شبه سيطر على عطائه هو الجاذب، إذ كم آلمه جرا رزوح الاستعمار على موطنه ومن ثمّ نحوه لأسلوب العتب الذي أخذه على تثاؤب بني قومه في هذا الأمر {أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً فأهوي على الجذوعِ بفأسي!} بخاصة وهو يبذل النفس والنفيس لأجل... لكن كأن لا حياة لمن...!! {في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي وأترعتُها بخمرة ِ نفسي... ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ رحيقي ، ودُستَ (يا شعبُ)كأسي! فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي وكفكفتُ من شعوري وحسّي} عاش حقبة قارب انجلاء الاستعمار الذي تمّ بإلغاء الحماية في 20 مارس 1956 بعد إعلان الاستقلال وذلك بعد نضال ومشاورات طويلة بين (المقيم العام الفرنسي)و(مكونات الحركة الوطنية) التونسية. فعادت تونس لمحضنها/ لغةً ودينا في تقبّل للعصرنة ما لم تجعلها تفقد هويتها ولم يحل دون تمسك التونسيين بهويتهم ودون اعتزازهم بالدين الإسلامي وبتراثهم العربي الإسلامي... وهنا لا يمكن الإنكار أن شعره كان أحد وقود شعبه إبّانها ( حوالي عشرين سنة بين وفاته وانجلاء المستعمر)حتى خلّده موطنه تونس فوضعت من ذلك صورته في إحدى العملات الورقية. 4- شعره/ لأبي القاسم الشابي (بديع).. كم ثقيل على الذائقة أن تمر قُبالة من شاطئه مرور الكرام .. فلا تقف إجلالا لمدى ما تحمل من أبعاد وما بلغت من تأثير .. بالذات ..والذات ناهمة من كل طلل..طويل -لواستقصيت-أمدهُ.. من/ {ذِكْرَى فُصُول ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَر} لكني آخذ منه سبب ما حرك بأشجاني.. {وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيعٍ تَأَلَّقَ في مُهْجَةٍ وَانْدَثَر وَتَبْقَى البُذُورُ التي حُمِّلَتْ ذَخِيرَةَ عُمْرٍ جَمِيلٍ غَبَر} وهذا .. لما يحمل نظمه إن كان مما يلامس عزيز على من (وفيٍّ) وقعه ، أومَن خيالات استطاعت وشومها أن تملأ النفس بما حاكته منه المعاني وهي الناهمة. .. فضلا عن تلك التي تركت ذاك (البيد) بغير اختيارها! أقول هذا على سبيل الفرضية ، وإلا من منّا لم يبك الماضي.. (الأرغدا) ! ومن يفنّد - منهم- ما ذهبت إليه ، ألا فنقِّبوا بالبلاد والعباد ..لتروا بأم أعينكم .. وعلى قول فيروز : ما تبحثوا...؟ فلا ينطلي بعض ذاك إلا على (أجلافٍ) عذرهمُ أنهم لم يتشبّعوا من تلك المغاني، أو يعلقوا من صور الماضي التليد فهمُ من نوعية لم يمرغ حاضرهم أتعاب -عذاب- الحياة ،وبالتالي /لم يغنموا ما ينعش تخيلاتهم .. فيحرّكها إلى الصبا وعذبه ، بالأخص آن/ {شفّ الدجى عن جمال عميقٍ يشب الخيال ويذكي الفكر} .. سواء كانوا بأواخر عمر الشباب الزاخر أومطالع المشيب الذي لازال مطمع العمر عليه عوالق إذ (الشيب )لا غيره من يبكيك على الشباب بدمع عين ... لا يغني هطلها البكاء، ولا يعيد ماءها مدراره ما مضى نحيبُ! هذا من جهة ، ومن جهة هي أشدّ إيلاما/أنه في آخر محطات الحياة وقد جاء تعزيزاً لهذا من حديث (أعذر الله أمرا أبلغه الستين من عمره) صدق حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. ومن ثم /ما ماض بمستردّ ،! بل كم من(آه) تُزفر ..وهي تُتبع ب/يا عمر مضى ليت أيامه تعود، و..عمر (ليت ما بنت بيت) ، وآيات الدنيا بل آليات تعاطيها قد ذمّت هذه ال( ليت) .. لأنها أحد أدوات التمني ، التي تبقى سلاحا للعاجز وأدوات للنادم غير مضاءة .. مع حسرات تعتصر منّا كل ومضة ، وويلات تتبعها بلا ترادف ، فتأتي حتى على جمال الحاضر.. {فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَاهُ الظَّلامِ وَلَمْ تَتَرَنَّمْ عَذَارَى السَّحَر} وهنا نمضي إثر خيوط الأمس ، فنتجرّع آلاماً. . لا ينتهي وخزها ..! إذ من المسلّم به ( وهذا سلْم الحياة) أي: مسالمتها - .. في عدم الاصطدام معها - ف.. يا ناطح (الجبل العالي.. )ليكلمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل وإن لم..!، فألشر بأن قرنك - عندها- هو الوعرُ إذا هو (العمر)الذي بلا إذننا يطوي بيد دنيانا ونحن في مغبّة سرحاتنا نسري و...من ثمّ بلا اختيار منّا يأخذ زهرته التي لطالما سقينا نبتتها بمشاعرنا قبل ماء عروقنا .. حتى إذا ما التفتنا فجاءة ! فإذا هي قد أخلفتنا إلى دُنيا غير التي نعرفها ، ونشرت بيننا عواد أخرى وذاك أمسى منّا بعيد الزمان شحيح الأثر يوجز هذه ويلمّ شعثها هذه القصيدة الخالدة.. خلود الإبداع بالذائقة وباقية ..بقاء ما تشحذ به النفس ملء المنى، لأنها معلّمة علم بلغ مدى ما يشفّ عن النفس دواع تمسّكها بالحياة، وما تُعمر به وكأنها تحاول أن تنكسه ف.. يدع خطو أحبّة هم لعمري/ الدنيا.. لإن (.. جنة بلا ناس لاتُداس) تلك - القصيدة-كانت في طلائع قرننا وما جمعت من وقائع عهدها لتتدلل على الذائقة إلا بمقدار ما جمحت إليها الذات لتذود عنّا بقية جراح هي توخز (لو) أعطيت أمادا ، ثم تصم فتأتي على آمال نترنّمها بدواخلنا 5- المتن / ولكي أقرّب فتمعّن بالمطلع/ {في لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ مُثَقَّلَةٍ بِالأََسَى وَالضَّجَر سَهرتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى غمر سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ لِمَا أَذْبَلَتْهُ رَبِيعَ العُمُر؟} الجواب ليس بالإيجاب.. بقدر ما هو مرام الا وتسلّم له ، واصغِ: {قَالَ لِيَ الْغَابُ في رِقَّةٍ (مُحَبَّبَةٍ مِثْلَ خَفْقِ الْوَتَر): يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَر فَيَنْطَفِئ السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُهَا وَأَزْهَارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِر وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ وَيَدْفنُهَا السَّيْلُ أنَّى عَبَر وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيعٍ تَأَلَّقَ في مُهْجَةٍ وَانْدَثَر وَتَبْقَى البُذُورُ التي حُمِّلَتْ ذَخِيرَةَ عُمْرٍ جَمِيلٍ غَبَر} ثم ... يسترسل وقد تزهزهه ذائقة ، فولّد بديعه عندها أفانين .. منها/ {وجاءَ الربيعُ بأنغامه وأحلامهِ وصِباهُ العطِر وقبلّها قبلاً في الشفاه تعيد الشباب الذي قد غبر وقالَ لَهَا : قد مُنحتِ الحياةَ وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخر وبارككِ النورُ ..فاستقبلي شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر ومن تتودد للنورَ أحلامهُ يباركهُ النورُ أنّى ظَهر} {ناجي النسيم وناجي الغيوم وناجي النجوم وناجي القمر وناجي الحياة وأشواقها وفتنة هذا الوجود الأغر } هذه .. من الأبيات يتضح على رغم شقاء عيش لفاه وبؤس مضمور بها حب (الشابيُّ) للحياة ، ما تجلى ذاك الحب يوم(عزّى) ذاته ب( أبيه) فعزا بعدُ للأسباب التي تجعل الحياة له حظ النصر على ماسواها ، ولا غرو.. فهذه فطرة(غريزة)إن قلت ..أوسبّبت بما شئت ! لا لن تجد لائما فحب الحياة.. بلا (أسباب)هي السبب ف.. من ذا سيعلل لك عن جمال النجوم في ليال السمر ، أو عن زُرقة السماء وقت الصحو ؟، أو....فجدّل / {ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي -ومشاعري عمياء بأحزانِ- أني سأظمأُ للحياة ِ، وأحتسي مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِ وإذا التشأوُمُ بالحياة ِ ورفضُها ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ} لكن .. أليس العجيب أن هذا الحب آتٍ وجوانب من حياته الآم وسواداً هنا تذاكرت ما رفعته بيوم بين صحائف مفكرتي/ (( ما كنت أحسب أني سوف أبكيه وأن روحي الدنيا س تنعيه)) أي بكل هذه الحُرقة.....! ثم عاد مخففا {وأنني أحيا بعد فرقته في الحزن هنا أعانيه} هنا يبرز...سؤال عرضي / لِما أنت واجد لتلك الألم -دون ان تتكلف- زوايا يدندن حولها . . نحو مما ذهب ينشج ولا أقول ينشد.. في أغماد قصائده حتى إنك ستجد ما يأخذ لبابك ولو تسآلت لحقّ لك أن: كيف لمثله أن يغني للحياة؟!، وكأنه ينادم ما تولى قبل أن يعي كنه الحياة/ {إذ أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ} وزيادة ..أن ذاك العبير بدا جليا كغمامة حالكة على سحائب نظمه مما يعني أن المرء يتشبّث بالدنيا مهما كانت ألوان حياته - بها- قاتمة أوظروفه بها ثقيلة.. {حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِ} لكن من مثله لن تجد عجبا !.. فهوصاحب/ {أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ ترفرفُ منْ حولهنّ القُبَلْ فأنظر فيكِ جمالَ السّماء، ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ} ف... (الطفل) تعبيرٌ ..آت بمفردة ذاتً دلالة لا تُضاهى ، أليس هو الذي قرّب : { عذبة أنت كالطفولة......} وهل غير (الطفولة) ما يوازي طفوك بالحياة ، دون تعمّق ذاك الذي يسلب منّا الصفاء الذي لا تجده إلا بتلك المرحلة فما أن يعي المرء معاشه إلا وتبدأ الشوائب فالنغائص فالكبد .. والى الكمد الذي يأكل زهرة الحياة! العجيب الأكبر أن ذاك يحدث وعيناك تنظر، فلا..يتحرك منك ( لمدافعته )ساكنا بحجة أنها - ذاتها- قد جُبلت على كدر ومن خالف هذا - .. وهو سلمها- فكأنه متطلب من النار جذوة ماء.. كم يتوقع المرء أمورا كُبّارا ، فإذا ابتلاها إلا وهي دقيقة الخيط رقيقة بالكاد لو سحبها خيط الذكريات كاد تنتزع بل بعضها استحضرتها ، فهي لا تأتي إلا عصفا ، ولو أتت مازادت توجدك إلا خبالا وربما خيبات تزيد من كالحات عمرك دركة أن يرمض طائفها حوافرك ، ويمرض ذاك الصحيح من خيالك المنفوش تراقيه في مغانيك لتحيله كالصريم 6 - ختم / لتنبيه القارئ ... في: ملحوظة قدر البعوضة/ ما بين قوسين {.....} هو (شعر) الشابي و مابين قوسي ((.....)) لغير شاعرنا ....... ** ** - عبدالمحسن المطلق