قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى) * الشعر الوطني الصادق كالضفيرة الشعرية الجميلة الأخاذة ففيه تدفق وتعبير وتصوير وشاعرية ولحن وطرق تلتحم فيه رسمات غزلية، ووسمات إنسانية، وإبداع فني، وإبداع موسيقي، هو ملاذ المقهور، وملجأ المستعمر، ومكمن المأسور، وقد أبدع الشعراء العرب في تغينهم بأوطانهم فهذا الشاعر محمود درويش يبكي فلسطين، وهذا أبو القاسم الشابي ينتحب تونس وغيرهم كثير، ومعهم كثر، وفيه يصور الشاعر مشاعر متوجهة لمسقط الرأس فهو مؤثر ثم هو في نفس الوقت متأثر ولله در القائل: ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلام عدد الحياة سخرت بأنات شعب ضعيف وكفك مخضوبة من دماه وبين يديّ سفر جميل، وديوان نبيل، جاد به الشاعر الأديب عبدالله بن سالم الحميد لا فض الله له فاهاً، ولا أخمد الله له تبياناً، والديوان في شكله مبين وعن مضمونه فصيح: أسافر فيك ومنك إليك ويحضنني الشوق في مقلتيك أسافر عنك وفي غربتي أحسن حنين الحزين إليك حضورك في خافقي الهفة تؤرق نجوى الحبيب لديك ذرعت على شاطئ شتلة يروي نواها ندى شاطئيك عبارات ساطعة، كلمات شعرية لامعة، ونفثات وطنية صادقة، وهل هناك أغلى من الوطن، فيه ترتقي الكلمة، وعلى إثره يتجدد الخيال، على نبراته. تأتي العاطفة صادقة كل الصدق، مؤثرة أعز وأغزر تأثير، وهذه العاطفة جاءت حيوية حية، مما جعل موسيقى النص رنانة عذبة، وهي ذات وزن متعدد مختلف، حاكى فيها القدماء من الشعراء والمحدثين في تفننهم وتألقهم ثم هو يبث وطنه شجاه وحزنه وحيرته في السؤال عنه: أسائل عنك ندى زمزم سؤال الحنين إلى مروتيك أنوء بهمي الثقيل سدى إذا ما ارتشفت الندى من يديك مرافئ رحلتنا غربة وكوخي بأرضك أجمل أيك سلام عليك متى نلتقي وفي كل حين سلام عليك هذا وقد عنون شاعرنا الفحل عبدالله بن سالم الحميد -يحفظه الله- لترانيمه الشعرية، وزخاته الشاعرية، بعناوين خلابة كقوله: (في نشوء الصحراء يهطل المطر) و(تساؤلات على جبين قانا، و(رحلة السحاب)، و(الخطى والصمت الحزين) و(سراب.. فراغ.. رحيل) و(صوت الجرح وصدى الهوان) و(مرايا الحب) و(هواجس النزوح) و(عاشق العلياء) و(تحت شجرة الوداع) و(خيال سلمى) و(أفو زنبقة) وغيرها. وجميل الديوان تلك الرسائل الشعرية الإخوانبة، فقد طرق الديوان شيئاً من هذا، أرسل له الشاعر النابه: أحمد صالح الصالح قصيدة سامية جاء مطلعها على النظم التالي: هاتفت رقمك مرة بل مرتين وأربعا الشوق يدعوني إليك وللقصيد لأسمعا يا ابن سالم هذه الدنيا استحالت بلقعا لا شعر يؤنس صمتها للجرح يأتي مبضعا فالشعر صوت ضميرنا يحيى صداه الأربعاء وأرفع بشعرك منبراً للحق لا يرضى أدّعا ما داهنت أبياته فاصدع ألست المصقعا ويأتي الشاعر التحفة عبدالله بن سالم الحميد -يرعاه الله- راداً على قصيدة صاحبة بقصيدة جميلة فواحة بالمشاعر الرقيقة الصادقة التي يكنها في صدره تجاه عملاق الشعر السعودي المعاصر الأستاذ أحمد صالح الصالح -يحفظه الله- معنوناً لقصيدته بعنوان خلاب وهو: (شذى المشاعر) ويقول فيها: وقرأتها فأتيته وسمعت ما قد أمتعا الشعر فيض عبيره عبق الرحيق تضوعا آثرته مستمتعاً بجماله مسترجعا دنياه همس مشاعر لله ما قد أبدعا إني عشقت نشيده وطربت مما ضوّعا آنست من وجدانه خفقاً تحدى الأضلعا صور الوفاء تألقت فيمن سما في ما وعى وهاتان الرسالتان الشعريتان أبدع المرسل والمرسل إليه في نظمها، فهما جد ثمينتان قيمتان وقد أجاد الشاعر الحميد في حفظهما بين دفتي هذا الديوان خشية عليهما من الضياع ثم هما شاهدان يقظان على بلاغة وفصاحة وشاعرية وتألق للمرسل والمرسل إليه -حرسهما الله- كما أنهما تحتويان على فوائد وفرائد تفيد الأديب الدارس، والناقد الحارس، والقارئ المتمرس، مع احتفاء واحتواء الديوان على رسائل أخرى مثل قصيدته (عاشق العلياء) والتي بثها لصديقه الدكتور علي بن عبدالرحمن الحسون، هذا وقد طرق الديوان فنوناً أخرى وجاء رثاؤه صادقاً مؤثراً، تتجلى فيه حرارة التعبير، ودقة التصوير، كيف لا وهو يرثي شخصية لامعة كشخصية الأديب الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي عليه منّ الله شآبيب الرحمة والغفران وفيه يقول تحت عنوان حزين: (بوح الوداع الحزين). صور شموخ الشمس تغزلها قبل وشذى تدثر بالندى حتى ابتهل لله درك يا أبا عمار إذ هتفت مآثرك البديعات الحلل وجه تدثر بالحياء ونخوة ألف القرى حيا وحيت واستهل تلقاه بالعتب المؤثر ناشراً ألق التفاؤل والتسامح والأمل وأخيراً: من هو الشاعر المبدع عبدالله بن سالم الحميد؟.. هو شاعر عطف قلبه على واقع أبياته الشعرية، وهو شاعر كتب الشعر بقسميه الشعر العمودي، والشعر الحديث، فألقت له الكلمات بتلاببيها ومغازيها ومغانيها، على شعر الخليل بن أحمد الفراهيدي كابد الأوزان والقوافي فنبغ ونبع، وعلى شعر التفعيلة حلق ووقع، ومن هنا تذوق الأدب والشعر فأبدع وابتدع. عنوان التواصل: ص. ب 54753 - الرياض 11524