العقوبات الأمريكية التي دخلت شريحتها الأولى حيز التنفيذ زادت من أوجاع الاقتصاد الإيراني المنهك أساساً، والذي كان يرى بالاتفاق النووي بارقة أمل لإنعاشه من جديد، بل إن هذا الاتفاق كان سببًا في إعادة انتخاب الرئيس روحاني لولاية ثانية، لكن انسحاب أميركا منه شكَّل ضربة قاصمة لا يمكن تحملها، فانهارت العملة الإيرانية بنحو 70% منذ أربعة أشهر تقريباً ليصل الدولار إلى أكثر من 100 ألف ريال بالسوق الحرة في إيران. فالاقتصاد الإيراني الذي يعيش على أسلوب اقتصاد الأزمات منذ سنوات طويلة واعتاد العقوبات والتحايل عليها سابقاً لم يعد بالإمكان استخدام الآليات والأساليب نفسها لكي يتجاوز أزمة عودة العقوبات، فالتضخم بات حلزونياً ولا يمكن لجمه بسهولة، فقد ارتفعت في الأسابيع القليلة الماضية أسعار المواد الغذائية بنحو 50 %، وبات التشاؤم هو السمة السائدة لدى الشعب الإيراني الذي يواصل الاحتجاجات في مدن عدة على تدهور الوضع الاقتصادي، فقد وصف أحد نواب البرلمان الإيراني هذه الاحتجاجات بأنها بداية تحول «لثورة جياع»، وهو ما ينذر بفوضى عارمة في كل البلاد سيصعب السيطرة عليها. ومما فاقم الأوضاع الاقتصادية وتدهورها السريع سرعة نجاوب أغلب الشركات العالمية بإيقاف أنشطتها في إيران، مثل بيجو ودايملر وتوتال وغيرها، فهذه الشركات لن تضحي بمصالحها مع السوق الأمريكي لأجل إيران، كما أنها لو تحدت العقوبات الأمريكية فإنها ستواجه مشكلة مع المساهمين لمن هي مدرجة بالبورصات الذين لن يقبلوا أي تراجع مؤثر بنشاطها، لأن السوق الأمريكي يبقى هو الأكبر والأهم لهم، فأميركا أنذرت كل من سيتعامل مع إيران لن يكون له فرصة في السوق الأمريكي. الاقتصاد هو الخاصرة الرخوة لإيران وسيكون سبباً في تغيير بالمشهد الإيراني، فقد أقيل رئيس البنك المركزي وكبار معاونيه، وكذلك وزير العمل، مما يشير إلى الصعوبات التي تواجه إيران، ولن تجدي أساليب امتصاص غضب الشارع الإيراني التي تستخدم حالياً في احتواء الكارثة الاقتصادية وحراك الشارع، فما يعلنه البرلمان الإيراني من طلب استجواب للرئيس روحاني كمحاولة لكبح حراك الشارع لن يجد آذناً صاغية بعد عقود من العقوبات وتحمل إضرارها، إضافة إلى دعوات نجاد الرئيس الإيراني السابق للرئيس الحالي روحاني بالتنحي، فهي تأتي في السياق ذاته قيام أعضاء بالنظام بلعب دور المعارضة وقيادة الشارع لتوجيهه واحتوائه، فحجم البطالة مرتفع ونسبة الشباب تزيد عن 58 % ممن هم دون سن 30 ونحو 60 % من الشعب وفق استطلاعات رأي يعتقدون أن التدهور الاقتصادي هو السمة السائدة ولا أمل بإنعاشه إلا بتغيير جذري في السياسة العامة والتحول نحو علاقة إيجابية مع المجتمع الدولي والتخلي عن فكر تصدير الفتن والخراب لدول المنطقة والتدخل في شؤونها.