من خصائص النفس البشرية حبها الغنى.. لكن نفوساً تفرِّق بين غناها, وغنى يدها تسمو, وتُثرى, و تُعَز.. إن غنى النفس يدعو إلى يسرِ اليد, بالسعي جهداً, وصدقاً, ونزاهة, لتكون كفتا الغنى الذاتي كفَّتي صاحب هذه النفس, فتعلو هامته ثقةً, وعفافاً, واطمئناناً, ورضا, وتصفو يده كسباً نقياً, طاهراً, مباركا.. أجل, غنى النفس أمانٌ, وإيثارٌ, وعطاءٌ, وخلوصٌ من شوائب الطمع, والتزلّف والاستجداء, والاستعطاف, و التحايل, والغبطة, والحسد, والجشع, والحسرة, والخيانة, والتمنِّي, والترجِّي.. المال يُغري لكنه لا يُغني.. والشاهد فيه منه ذاته!, فكم من ثروة مال بادت, وكم من أغنياء جيوب أفلسوا, إلا غنى النفوس لا ينقض ولا يُسقِطُ.. فهو الثروة الباقية, المستديمة, النامية.. فمكاسب غنى النفس أثيرة, مؤثرة.. والذات الغنية ثرية, أبيَّة.. تغنى النفوس بخصالها الحميدة, وتوضع بطباعها النقيضة.. فالنفوس الغنية الثرية لا تفقر, والوضيع منها هشٌّ يتعثر, ويتردَّى!.. وردت هذه المفارقة بين غنى النفس, وفقرها وهذه نماذج اللاهثين وراء المال تقض راحة الآمنين في أوطانهم, إذ يغريهم المال فيتحولون إلى أسنة, ورماح في صدور أوطانهم, إنهم لو كانوا أغنياء نفوس لعرفوا أن فقد الوطن غربة, بينما الوطن هو الغنى في الغربة.. تيمناً بمن قال عبارة: «الغنى في الغربة وطن» يقصدُ بها غنى اليد.. لكن المال قد جعل الوطن في الغربة هدفاً عند فقراء النفوس.