جاء تسجيل واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي باليونسكو خلال اجتماع لجنة التراث العالمي الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة الجمعة 15 شوال 1438ه (الموافق 29 يونيو 2018م)، والذي أعلن عنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ليمثل إنجازًا جديدًا ومهمًا للتراث السعودي الذي يشهد نقلة كبيرة في مخلف المجالات، أهلت المملكة لتكون في مصاف الدول المتقدمة عالميًا في هذا المجال. وقد أولت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تسجيل المواقع الأثرية والتراثية بقائمة التراث العالمي في «اليونسكو» اهتماماً كبيراً، بهدف إبراز البعد الحضاري للمملكة، والحفاظ على الثراء التاريخي والأثري والتراثي المتنوع للمملكة، وإبرازه للعالم، وتأهيل هذه المواقع وفقًا لمعايير المنظمات العالمية المتخصصة. وتعمل الهيئة على تسجيل المواقع التراثية والأثرية في قائمة التراث العمراني ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري والذي يشمل منظومة من البرامج والمشاريع لتطوير مواقع التراث الوطني والتعريف بقيمتها التاريخية والمحافظة عليها. وبدأت عملية تسجيل المواقع السعودية في القائمة عندما صدرت موافقة المقام السامي عام 1427ه على تسجيل ثلاثة مواقع سعودية ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو، وهي (مدائن صالح، والدرعية التاريخية، وجدة التاريخية). وعملت الهيئة على إعداد وتقديم الملفات الخاصة بالمواقع الثلاثة لمنظمة اليونسكو، فتم تسجيل موقع مدائن صالح في القائمة كأول موقع سعودي يدرج بالقائمة في عام 1429ه/ 2008م، وأعقبه تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية عام 1431ه/ 2010م، ثم موقع جدة التاريخية الذي تم تسجيله عام 1435ه/ 2014م. وبموافقة من المقام السامي تم تسجيل مواقع الرسوم الصخرية بمنطقة حائل بقائمة التراث العالمي، في رمضان 1436ه، / يوليو 2015م، ليكون الموقع الرابع للمملكة في قائمة التراث العالمي. ووافق المقام السامي الكريم بتاريخ 29-12-1435ه على طلب الهيئة تسجيل عشرة مواقع جديدة في قائمة التراث العالمي، هي: (واحة الأحساء، ودرب زبيدة، وطريق الحج الشامي، وطريق الحج المصري، وسكة حديد الحجاز، وقرية الفاو، وقرية رجال ألمع التراثية، وقرية ذي عين التراثية، وموقع الفنون الصخرية في بئر حمى بمنطقة نجران، وحي الدرع بدومة الجندل بمنطقة الجوف). وقدمت الهيئة بناء عليه طلباً لمركز التراث العالمي بمنظمة اليونسكو من خلال المندوب الدائم للمملكة لدى المنظمة، لتسجيل المواقع العشرة في القائمة التمهيدية لدى المركز. وبدأت الهيئة في عام 1436ه (2015) العمل على ملف تسجيل واحة الأحساء، حيث تمت صياغة ملف ترشيح مبدئي وتسليمه لليونسكو، وتم التعاقد مع مكتب استشاري متخصص بالواحات، إضافة إلى تحديد شركاء الهيئة في هذا المشروع، وهم: أمانة محافظة الأحساء، ووزارة البيئة والزراعة والمياه، ومؤسسة الري والصرف بالأحساء، والغرفة التجارية بمحافظة الأحساء، فضلاً عن ممثلين من المجتمع المحلي. واختارت الهيئة بعد عدد من المداولات مع المتخصصين في شؤون اليونسكو اسمًا لملف الواحة، وهو (واحة الأحساء، مشهد ثقافي متطور). بعد ذلك سلمت الهيئة ملف ترشيح موقع واحة الأحساء لمركز التراث العالمي في شهر ربيع ثاني 1438ه (يناير 2017م)، حيث تم قبول الملف بعد مراجعته، وإرسال نسخة من الملف للمجلس العالمي لخبراء الآثار (الآيكموس) الدولي لبدء أعمال تقييم الملف من الجوانب الميدانية. وأُوفدت الهيئة فريقًا إلى مركز التراث العالمي ( الآيكموس) للاجتماع مع اللجنة المكلفة بدراسة ملف الترشيح في باريس، ومناقشة بعض القضايا الرئيسة في ملف الترشيح. وبعد الدراسة والزيارات الميدانية أبدى فريق مركز التراث العالمي باليونسكو بعض الملاحظات المتعلقة بالموقع وخاصة فيما يتعلق بتغيير واقع بعض المواقع التراثية والتاريخية، وبناء عليه وجه سمو رئيس الهيئة بتشكيل فريق تحت إشراف سموه لمعالجة هذه الملاحظات وبذل كل الجهود لإنجاح الملف. وعمل الفريق بالتنسيق والتعاون مع أمانة الأحساء وبدعم وتعاون كبيرين من رجال الأعمال والمجتمع المحلي لمعالجة هذه الملاحظات وتعديل الوضع القائم لبعض المباني والمشاريع لتتناسب مع اشتراطات مركز التراث العالمي المعني بالحفاظ على القيمة والهوية التاريخية والتراثية. وفي المراحل اللاحقة قامت الهيئة بمراسلة أعضاء لجنة التراث العالمي والمكونة من 21 دولة من خلال وزارة الخارجية، وتم تزويدهم بنسخة من بيان القيمة العالمية الاستثنائية، كما قامت بتنظيم زيارات لهم لواحة الأحساء. وتم تكوين فريق من المختصين برئاسة سعادة أمين محافظة الأحساء المهندس عادل الملحم، وعضوية عدد من المسؤولين بالهيئة لمتابعة المراحل الأخيرة لتسجيل الواحة في قائمة التراث العالمي. وفي شهر يونيو 2018م وصل إلى محافظة الأحساء الوفد الرسمي من اليونسكو الذي زار بعض المواقع البيئية والتراثية في الواحة، وقُدِّم له عرض عن جهود اللجان العليا والفنية في الحفاظ على الواحة. وقبيل بدء الاجتماع الحاسم للتصويت قاد سمو رئيس الهيئة جهودًا واتصالات مكثفة مع وزراء الدول المشاركة في التصويت على المواقع المرشحة للتسجيل، لتعريفهم بالموقع والجهود المبذولة فيه، وطلب دعمهم لترشيح الملف، ونظرًا لما يمثله الأمير سلطان بن سلمان من ثقل دولي وعلاقات قوية فقد وعدت الدول المشاركة في التصويت بتأييد ترشيح الملف. وفي اجتماع لجنة التراث العالمي الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة الجمعة 15 شوال 1438ه (الموافق 29 يونيو 2018م)، نجحت الجهود الكبيرة والمشتركة في تسجيل واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي، كخامس موقع سعودي يضم للقائمة بعد موقع مدائن صالح في عام 1429ه/ 2008م، وحي الطريف بالدرعية التاريخية عام 1431ه/ 2010م، وجدة التاريخية عام 1435ه/ 2014م، ومواقع الرسوم الصخرية في موقعي جبة والشويمس بمنطقة حائل في 1436ه / 2015م. وقد أكدت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في بيانها أن «واحة الأحساء تعد منظرًا طبيعيًا تراثيًا وثقافيًا فريدًا ومثالاً استثنائياً على التفاعل بين البشر والبيئة المحيطة، وأن تتميز بكونها أكبر واحة للنخيل في العالم وبالحدائق وقنوات الري وعيون المياه العذبة ومبانٍ تاريخية ونسيج حضري ومواقع أثرية تقف شاهدًا على توطن البشر واستقرارهم في منطقة الخليج منذ العصر الحجري الحديث حتى يومنا هذا، وهذا ما أهلها للتسجيل في قائمة التراث العالمي». وتقع واحة الأحساء على مساحة إجمالية تفوق (85) كم2، وتشكِّل مشهدًا ثقافيًا متطورًا يحتوي على بساتين النخيل، والقنوات، والعيون، والآبار، وبحيرة الصرف المائي، ومناطق أثرية شاسعة، ومجموعة مختارة من التراث العمراني داخل مستوطناتها التاريخية، التي تجسد أهمية الواحة باعتبارها مستوطنة تقليدية كبرى طوال (500) عام الماضية. وتمتلك واحة الأحساء «طوبوغرافية» واضحة تتمثل في مجموعة العناصر كالعيون المائية، والكهوف، والجبال، والسهول، والقنوات الحديثة والتاريخية، وأساليب رفع المياه، والمستوطنات البشرية ومناطق الصرف الطبيعية. وتعتبر واحة الأحساء، أكبر واحة في العالم، وقد حافظت على تماسك جغرافيتها الأصلية ووظائفها الاقتصادية والاجتماعية كمركز زراعي رئيس لشبه الجزيرة العربية، ومركز اقتصادي مهم يرتبط منذ الحضارات العالية إلى بقية الخليج والعالم. وتضم الواحة عددًا من المعالم التي أهلتها لتكون ضمن مواقع التراث العالمي مثل: سوق القيصرية التراثي، والمدرسة الأميرية (بيت الثقافة)، ومسجد جواثى التاريخي، وقصر إبراهيم، وبيت البيعة (الملا)، إضافة إلى واحة نخيل الأحساء، التي تحوي عددًا من المباني والمواقع التراثية والطبيعية وغيرها. وتعمل الهيئة على تسجيل المواقع التراثية والأثرية في قائمة التراث العمراني ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري والذي يشمل منظومة من البرامج والمشاريع لتطوير مواقع التراث الوطني والتعريف بقيمتها التاريخية والمحافظة عليها. وتُدرج مواقع التراث الثقافي والطبيعي في قائمة التراث العالمي بموجب شروط اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي الصادرة عن اليونسكو عام 1972م، والمعروفة باسم اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، والتي انضمت إليها المملكة عام 1398ه (1978م). * * * لماذا سجلت الأحساء في قائمة التراث العالمي * مشهد تراثي وثقافي فريد ناتج عن تفاعل الإنسان مع الطبيعة في موقع جغرافي وجيولوجي محددين، يزخر بالأدلة المادية عن تعاقب الحضارات الإنسانية مراحل التاريخ. * مشهد ثقافي استثنائي من خلال الترابط الكبير بين بساتين النخيل والبيئة العمرانية، بشكل مستمر على مدى فترة طويلة من الزمن، ولا يزال يحافظ على جميع الخصائص بما في ذلك الظروف الطبيعية والمائية والاجتماعية والثقافية. * تمثل معالم الموقع شهادات حية على الاستيطان البشري منذ آلاف السنين حتى الوقت الحاضر. * تشمل الواحة مباني تاريخية مثل الحصون والمواقع الإسلامية وعناصر المشاهد الطبيعية الزراعية. * تعد واحة الأحساء أكبر واحة في العالم تحوي أكثر من 2.5 مليون نخلة. * تعد مثالاً رائعاً لواحة تظهر القيم المشتركة والتماسك الاجتماعي والمعرفة الفنية.