اشتكى رؤساء تحرير وكتاب صحف ومثقفون كثيرون من وضع الصحافة الورقية المأساوي المتدهور، وذهب المخلصون يتداعون إلى البحث عن مخرج من هذه الأزمة الطاحنة التي تمر بها صحافة الورق، بسبب تقلص الإعلان وانصرافه إلى وسائط الإعلام الأخرى على اختلاف أطيافها وإلى نجوم الإعلام الجديد من مشاهير السناب والانستجرام وتويتر وإلى نجوم الفن والرياضة، بل جذب إغراء المال الذي يقدمه الإعلان عددا من نجوم «الدعاة». ومن هو ذلك الذي يقبل عليه المال بدون بحث ولا عناء ؛ بل يبحث عنه أصحاب المال ويصبون في حسابه المال صبا مقابل كلمة قصيرة أو مشهد طائر أو تغريدة موجزة، أو حتى بدون كلام ولا سلام ولا كتابة ؛ بل يعرض صوراً لمنتجات غذائية أو ملبوسات أو عطور في حسابه؟! انصرف المعلنون عن صحافة الورق فجفت وتيبست أوراقها وتوشك الآن أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. إنها حقيقة مؤلمة تكاد تلغي تاريخا عظيما من عمر الصحافة الورقية الذي ينيف على مائتي عام منذ أن صدرت صحيفة «التايمز» البريطانية عام 1785م على المستوى العالمي وصحيفة «الوقائع المصرية» عام 1828م على المستوى العربي. أمام هذا الوضع المؤلم الذي مس كل صحف العالم هل تستسلم الدول والحكومات لهيمنة رأس المال وتستجيب لاتجاهاته غافلة أو متناسية الأدوار العظيمة التي تنهض بها الصحف الورقية في التعبير عن قضايا شعوبها والدفاع عن سيادتها وإظهار مكنوناتها الحضارية والإبداعية بما يشكل خط دفاع ناعم قوي عن أية دولة وحائط صد معنوي كبير تجاه موجات الفساد أو الإحباط أو التواكل والضعف؟ وحين نأتي إلى صحافتنا الورقية السعودية نجد أنها لا زالت تقاوم الانهيار الكلي؛ فانتقل بعضها إلى مبنى أصغر، وسرح بعضها عددا من موظفيها واكتفت بعدد قليل من المحررين، وخفضت صحف أخرى أجور كتابها بحيث لم يعد يتساوى اسم الكاتب ولا ما يبذله من جهد في مقالاته مع ما تكافئه به الصحيفة من مبلغ زهيد. ويبدو أن الانهيار الكلي لصحف الورق قادم إن لم يتخذ حل فوري سريع لإنقاذها، ولتتخذ تلك الخطوة المنتظرة بأية صورة كانت من صور الحماية من السقوط لابد من استشعار الدور الوطني العظيم الذي تمثله الصحف في حماية الجبهة الداخلية وتعزيز تلاحمها وكشف الأفكار الهدامة وإعلاء صوت الوطن وتاريخه وثقافته وتطلعات قيادته إلى نهضته وتقدمه. ويتحقق الإنقاذ المنتظر بإلزام الشركات التي تنفذ مشروعات الدولة الكبرى بالإعلان في الصحف الورقية التي أثبتت نجاحها في خدمة الوطن، وإسهام الحكومة نفسها بالإعلان فيها كذلك، مع تقديم الدعم المالي المناسب، وتحول الورقية إلى نسخة رقمية مختلفة ومتطورة مستفيدة من عنصر الوقت والقدرة على متابعة المستجدات. لو تحقق الأسوأ وانهارت صحافتنا الورقية وأعلنت إفلاسها سنكون حتما بلا ذاكرة. إن انهيار صحافة الورق يعني غياب صوت وطني قوي، وسقوط جدار مقاومة صلب، وهزيمة جيش ناعم من الكلمات يحمي قيم الوطن وسيادته وتاريخه ومستقبل أجياله.