أرجع محمد الخنيفر محلل السندات ب»الجزيرة» ضعف التداولات خلال الأسبوع الماضي بما قيمته 204.39 مليار ريال من أدوات الدين الحكومية إلى أسباب عدة، منها عدم تعيين متعاملين أوليين وصناع سوق، فضلاً عن غياب التسويق الجيد لهذه الأدوات من قِبل البنوك الاستثمارية. وقال الخنيفر: «أسباب ضعف السيولة مع أدوت الدين الحكومية - من وجهة نظري - تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أولها عدم تعيين متعاملين أوليين وصناع سوق، والثاني عدم وجود تسويق كاف لهذه الأدوات من قِبل البنوك الاستثمارية، فضلاً عن عدم مواءمة البنية التحتية الخاصة بتداولات أدوات الدين التي تساعد في صناعة القرار الاستثماري». وأضاف: «لم يكن الثامن من إبريل يومًا عاديًّا للقطاع المالي بالمملكة.. كيف يكون يومًا عاديًّا ونحن على وشك إدراج ما قيمته 204.39 مليار ريال من أدوات الدين الحكومية وذلك دفعة واحدة. كنا متسمرين حول شاشة تداول لمراقبة اللحظة التاريخية لأول تداولات فعلية على أدوات الدين الحكومية (خصوصًا أن سقف توقعات البعض كان مرتفعًا، ولاسيما بعد الحملة الإعلامية التي سبقت ذلك الحدث). في البداية ظننا أن هناك خللاً فنيًّا بصفحة سوق الصكوك والسندات لدى تداول، وذلك بعد مرور الدقائق الأولى من دون تحرك الأرقام الخاصة بأدوات الدين. عندها اتضح لاحقًا أن ذلك لم يكن السبب بل إن المفاجأة غير السارة هو عدم تنفيذ أي معاملة على الإطلاق على تلك الأدوات، وذلك لثلاثة أيام متتالية». وذكر أن الاجتهادات تعددت من المراقبين حول أسباب عدم وجود تداولات خلال الأيام الثلاثة الأولى من الإدراج. بعض هذه التفسيرات لم تكن مقنعة بتاتًا بحكم عدم تخصص أصحابها بأسواق الدين؛ وعليه لم يوفَّقوا باجتهاداتهم. مضيفا بأنه من المحبذ لكل وسيلة إعلامية أن تدرك أهمية التخصص، وأنه ليس كل «خبير» يكون ضالعًا بكل الجوانب الخاصة بأدوات الاستثمار؛ فكل تخصص له أصحابه بحكم الممارسة العملية والخبرة.. لذلك نجد أن كبرى وسائل الإعلام الغربية تدرك ذلك بدليل تخصيص محلل أو محللين في كل تخصص؛ وذلك من أجل تقديم وجهة النظر المهنية لصالح المشاهد أو القارئ. وشرح الخنيفر قائلاً: من شاهد مقابلة قناة العربية يتذكر أنه قد تم التنويه بأهمية تعيين متعاملين أوليين وصناع سوق (الأمر لا يتوقف هنا بل يتطلب توافر شروط دقيقة مع تلك الجهات؛ فيساهمون فعليًّا في تسويق تلك الأدوات). ومن ضمن الشروط قدرتهم على توسيع قاعدة المستثمرين، سواء بالداخل أو الخارج. أي إن المتعاملين الأوليين سيقومون بشراء وتسويق وتوزيع أدوات الدين الحكومية. نأتي لمسألة البنوك التي ستلعب دور صانع السوق الذي من ضمن مهامه الرئيسية دعم وتحفيز حجم السيولة في السوق الثانوية. فمع توافر السيولة يتم إيجاد الطلب من المستثمرين (ومع هذه التداولات النشطة يستطيع المستثمر معرفة السعر العادل). فمن ضمن الشروط المتطلب توافرها لديهم هو وجود «مخزون» من أدوات الدين الحكومية لدى تلك الجهات. أي إن صانع السوق سيساهم - بفضل ذلك المخزون - في تقليص الفجوة السعرية بين العرض والطلب؛ الأمر الذي يساهم بزيادة الشفافية حول القيمة العادلة لمنحنى العائد السيادي الذي ستستعين به الشركات في الجزئية التسعيرية الخاصة بإصداراتها من أدوات الدين (وهذا الأمر لن يتحقق إلا بوجود تداولات نشطة). ومضى قائلاً: من الضرورة بمكان تحقيق ما ذُكر أعلاه؛ وذلك من أجل «إيجاد الثقة» من المستثمرين بأسواق الدين الثانوية. فالعديد من المستثمرين سيترددون في شراء أدوات الدين الحكومية ما دام أنه ليس هناك ضمانات بأنهم يستطيعون تسييل تلك الأدوات بالسوق الثانوية، وذلك عند الحاجة. أضف إلى ذلك أن من أهم وظائف الأسواق الثانوية لأدوات الدين هو «استحداث العرض والطلب على هذه الأدوات، فضلاً عن قدرة السوق على توفير منصة، يستطيع المتعاملون الاطلاع عبرها على التسعير العادل للسندات والصكوك. وهذا الأمر غير موجود لدينا حتى الآن؛ فليس أي تداول متقطع على أدوات الدين الحكومية يظهر أن التسعير الذي نراه على الشاشة عادل، وليس تداول أقل من مليارَي ريال على أدوات دين حكومية بقيمة 204 مليارات يعطي مؤشرًا على نشاط التداول. المسألة أعقد من ذلك، ومَن أراد أن يقارن فعليه مشاهدة التداولات الثانوية على سندات المملكة الدولارية بالبورصة الإيرلندية. إذا لم نعالج تلك المعضلة فلن نستطيع جذب إصدارات صكوك الشركات من أجل الإدراج والتداول. الجانب التسويقي ونقص الكوادر المتخصصة وأشار الخنيفر إلى أنه من المعروف أن السوق الثانوية لأسواق الدين تُعتبر غير متطورة، بخلاف أن الشركات لا تزال تفضل القروض على أدوات الدين. يكفي أن نعرف أن لدى البنوك السعودية بنكًا وحيدًا لديه القدرات اللازمة التي تؤهله للمشاركة في ترتيب إصدارات أسواق الدين، سواء محليًّا أو إقليميًّا. وعليه فمن الضرورة بمكان قيام البنوك الاستثمارية والوسطاء بلعب دور المسوقين (لأدوات الدين الحكومية) أمام الشريحة المستهدفة (من الشركات)، وتثقيفهم حول أهمية مواءمة الاستثمار بهذه الأدوات، وكونها تتماشى مع المطلوبات الخاصة بهم. ولكن الجهات المالية التي ستقوم بهذا الدور ستواجه تحديًا آخر، هو وجود كوادر مؤهلة وكافية متخصصة بأسواق الدين التي تستطيع بدورها شرح أهمية تلك الأدوات وتسويقها بطريقة مهنية للشريحة المستهدفة. وقال: «على العموم، تاريخيًّا العرض أكثر من الطلب مع الصكوك الدولارية. وهذا يعني أن الفرصة متاحة لدى البنوك المحلية لتوزيع مخزونها من الصكوك على المستثمرين المحليين والخليجيين؛ لذلك أتوقع شخصيًّا وجود طلب على صكوك المملكة (المقومة بالريال) في حالة تم تنفيذ استراتيجية تسويقها محليًّا وخليجيًّا بطريقة صحيحة». البنية التحتية لتداولات أدوات الدين الجانب الثالث - وفقًا ل «الخنيفر» - يتعلق بالبنية التحتية الخاصة بتداولات أدوات الدين لدى تداول، وكذلك المؤسسات المالية (الوسطاء). فمن الملاحظ أن طريقة استعراض البيانات الخاصة بتداول أدوات الدين بالبورصة لا تزال دون الطموح (تعامل أدوات الدين كأنها أسهم). وعليه كيف نساعد المستثمرين على اتخاذ القرار الاستثماري للتداول على تلك الأدوات، إذا كانت البنية التحتية الخاصة بتداول السندات والصكوك غير موجودة (حتى البنوك عليها أن توفر تلك المتطلبات لعملائها)؟ مثال على البيانات المفقودة التي أقصدها: Current yield/ Yield to Maturity/ Rate/ Tenure/ Yield at issuance/ Z-Spread/ Rating/ Spread وأضاف: قبل ما يقارب السنة (1 مايو 2017) تم كتابة زاوية تحليلية بعنوان: (تسجيل إصدارات الدين السيادية.. حذار من تداول «المرابحات»). وتمت الإشارة حينها إلى التحفظ الشرعي حول تداولات الدين الخاصة بالمرابحات (وهي أدوات دين تم إصدارها من أجل التسهيل على البنوك الإسلامية شراء الدين السيادي). وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد هذا الأسبوع أكد مكتب الدين أنه لن يتم تداول تلك المرابحات بالسوق الثانوية. وتابع: «ازدادت تساؤلات الأفراد حول ماهية أدوات الدين من صكوك وسندات.. وعلى الجهات الحكومية والإعلامية نشر ثقافة تلك الأدوات تمهيدًا لطرح صكوك الأفراد الادخارية». وأضاف: «بحكم أعداد العاملين بمكتب الدين العام، فهذا المكتب قد أنجز الكثير خلال مدة قصيرة، وهو أمر لم يتوقعه أكثر المتفائلين في القطاع المالي».