كلما مررت بمرفق فيه بناتنا الوثَّابات يرتدين الزِّي الأمني، يتقلدن شاراته الخاصة على كتوفهن، وصدورهن أطرب كثيراً، تنتابني خفقة خفية كنت أعهدها وأنا طفلة حين كنت أتخيل أن أكون جندياً بين صفوف تلك الوحدات العسكرية، والأمنية التي أسمع صوتها الجلل في أذني كل صباح وهم يتدربون، ويلقون على مسامعنا تحية اليوم الجديد، كنت أتخيلهم حراسَ اللحظة الذين معنا حين ننام، وحين نستيقظ يبهجوننا بصدى وقع أقدامهم، ملابسهم الكاكيِّة، وقبعاتهم المائلة، وشاراتهم التي لم أكن أميز سر اختلافها، وأحذيتهم الموحية بجَلدِهم وقوتهم، وسلاحهم عند خصورهم، أو جانبها، أو يتدلى عن كتف كل واحد منهم، لم يكن يخيفني... بل رضا يغمرني بهم، وشغف عارم بمهنتهم،.. مذ ذاك، ومن هناك عرفت أن هؤلاء حماة، وحراس، ومدافعون، وأنهم في مواقف عديدة لا ينامون في حين نحن نيام، وأننا قد نكون في دعة من أمرنا، وهم في الواقع يكابدون.. في أول تجربة لنا مع موقف «حرب الخليج»، وجدناهم في الطريق، وعند المنفذ، وفي إشارة المرور، وعلى الأرصفة بسياراتهم، ومعداتهم، وشاراتهم، يرابطون ليلاً ونهاراً.. ألقينا عليهم التحية ذهاباً، وإياباً، وقفنا طائعين للإجابة عن أي سؤال لهم، غمرناهم بالدعاء لا تفتر ألسنتنا عنه، أهديناهم الورود، خضعنا لتفتيشهم، ثم، كانوا شغلنا حين لا نأكل دون الدعاء لهم، ولا نطمئن دون سلامتهم.. أذكر أنني طلبت من الفريق أسعد الفريح شخصياً أن تمنح نساء الجوازات في المطارات أجهزة، وملابس ذات شارات رسمية وإن كانت لرتب ابتدائية ليكسبنَّ المهابة في خانة العمل، تلك المهابة التي يمنحها الشكل الخارجي لموظفة الجوازات، والأمن، فتلك الحجرات المغلقة لم تكن مهيأة بدقة في وقت حرب حرجة، والنفوس ليست كلها على صفاء.. ما لبثت بعد وقت وجيز، وفي الفترة ذاتها أن تحقق المقترح، فشكرته.. اليوم، تغيّر الأمر، منحت المرأة الشارة الخضراء لتكون في سلك الجند الرسمي، لا الشكلي واحدة من الجنود.. المرأة اليوم في ضوء النقلة النوعية في متاحات الوطن، مشاركة بأحقية، بسعة، بتمكن في هذا السلك، تتعلم، تتخصص، تتدرب، تمارس، تكتسب خبرة، تؤدي دوراً، تحمل السلاح، تخبر تقنية المعلومات، تتعامل مع الوسائل والأجهزة، تجيب السائل، في المرور، والجوازات، في مرافق مختلفة من وزارة الداخلية.. فحيث نولي شطراً في البلاد، الشارة فوق كتفها، والأداة في يدها، وهي بعزم، وهمة، ودقة متفانية، ووجه باسم، وكلمة جميلة تؤدي عملها بافتتان، وباقتدار.. أتخيل نفسي فيهن كلما علت شارة فوق كتف إحداهن، أو وقفت إحداهن في ثغر أمن، بمختلف مجالاته، واختصاصه بوقارها، ورغبتها، وخفقة قلبها التي تشبه خفقة قلبي. وفقهن الله وحمى البلاد، وكل من فيها له من عباد..