تلك المرجيحه التي ركبت و انتهرني أبي معللا باختصاصها للصغار، كانت تصنع ذكريات. أبي لا يعلم بأن روائح الذاكرة تتعلق في مسميات الأشياء التي كنا نشاهدها وتبقى فيها وتذكرنا بطفولتنا كلما مررنا بشواهدها و ألفاظها!. حين كنت طفلا كنت أتمرجح على وسادة معلقة على غصن كينة في فناء جارنا، وكنا نتناوب عليها أنا و أصدقاء الطفولة... ! ذات مرة اختلفنا من لعب أكثر!، و اتفقنا أن أنا أكثر و هم أكثر!!. لكن الطفولة تأبى التعادل. فانفعلت و رمتني بكباب الطين، فصفعتُها على خدها الأيمن!...لم أكُ أطيق نشوة الانتصار أن تغادرني فهربت بها حين ملكتها!.استقبلتني أمي عند مدخل بيتنا وقد نُبِّئَت بما جرى!، لامتني و وبختني فحسب!. لم تحبذ أن تجرحني أكثر لعلمها أن باليوم التالي سأذهب للجيران وكأن شيئا لم يكن!. في اليوم التالي، عدت لكينتنا و لكن لم أجد «المرجيحة «سألتها و قالت: انقطعت!، و هنا تأبى الطفولة أن تتقبل الأمر!، تسللنا لغرفة أمها و استرقنا عكيفها لنربط به «المرجيحة»، لم تنجح الخطة؛ كان ذاك العكيف مُعدُ لحفل زفاف، أمها تفقدته و وجدته تحت أيدينا!، و وبختنا!. ذلك اليوم لن ندعه يمر بسلام!. عجنا مدرنا و شكلنا منه أشكالا منتظمة وغير منتظمة ومنذ ذلك الغسق و حتى الآن و أنا أتمنى أن أتعامل مع الطين!. لأنه الشيء الوحيد في طفولتي الذي لم أمارسه، أما المرجيحة فإني كلما أراها أحرص أن ألعب بها. و قد كتبتُ ما قرأتَ من سطور على مرجيحة وحيدة خلف مسجد بأحد أحياء جدة!.