كما أن العلم لايقبض انتزاعاً من العباد بل يقبض بموت العلماء فالتاريخ وهو من العلوم المهمة أيضاً لا يقبض انتزاعاً بل يقبض بموت مؤرخيه و المهتمين به وكبار السن المعاصرين لأحداثه ، فتنقطع مصادر مهمة وتغيب معهم تفاصيل حوادث مرت فمن يدون منهم ماعاصر أو سمع فسيبقى للأجيال القادمة يستفيدون منه وينهلون ما مر بأجدادهم وآبائهم ومن هم قبلهم ، ومن لم يدون فقد رحل معه التاريخ ولن يعود. والأستاذ العم عبدالله بن مدلج بن محمد بن دخيل آل يويسف التميمي من المهتمين بالتاريخ وممن عاصر كثيراً من الأحداث في بلدته وفي البلدات المجاورة لها ولكنه لم يمارس التدوين كما لم يستق منه أحد روايات شفهية توثق وتسجل لتكون من المراجع في بابها. العم عبدالله ولد في ثرمداء عام 1358ه وفي الحويطة تحديداً حيث سوق ثرمداء الرئيس والذي يضم 12 دكانا حسب سجل الصوام (الأوقاف) وعاش في كنف أبيه مدلج بن محمد بن دخيل والذي كان يعمل ويمتهن البناء بالطين ويسمى «الستاد وجمعها الستودية « وساهم العم عبدالله -رحمه الله- مع والده في نهضة الرياض الأولى في عهد الملك عبدالعزيز ومابعدها بل عوناً لوالده في إحضار حجارة البناء من صفراء ثرمداء في الغرب منها ويسمى ذلك المكان « مقطع مدلج «، ومع هذا العون لوالده فقد كان يتعلم القراءة والكتابة في «المديرسة» كون المدرسة الحكومية النظامية في ثرمداء افتتحت عام 1372ه (20ربيع الأول 1372ه الموافق 1 ديسمبر 1952ه) وقبل أن ينتقل إلى الرياض كان يتردد عليها للعمل في البناء مع «ستودية البناء» ليكسب المال ومن ثم يعود به لعائلته وممن عمل العم عبدالله بن مدلج معهم في مجال البناء والتشييد العم عبدالرحمن بن يوسف بن محمد اليوسف رحمه الله. ذهب عبدالله بن مدلج إلى مكة لأداء مناسك الحج وبرفقته والدته نورة بنت عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد بن يويسف في عام 1375ه وكان عمره 17 عاماً ، وفي أيام الحج توفي والده مدلج وعلم هو ووالدته بالوفاة بعد أن عادا من الديار المقدسة بعد أداء مناسك الحج. ظل عبدالله بن مدلج يتردد على الرياض لكسب العيش حتى انتقل لها بحثاً عن وظيفة رسمية وذلك عام 1380ه وقد بدأ حياته الوظيفية قبل الانضمام لوزارة العدل بتوزيع الصحف على المؤسسات وبعض الدوائر الحكومية مستخدماً في ذلك دراجة يضع عليها الصحف ويدور بين تلك الأماكن. لم يتوقف أبو عمر رحمة الله عليه عند هذا بل حين أتيحت له الدراسة في مدارس أهلية افتتحت في الرياض بادر بالتسجيل لطلب العلم وعلى نفقته هو حتى أتم الشهادة الابتدائية، تتحدث ابنته نورة التي استمدت شغف الثقافة من أبيها وتقول: «كان أبي يحب الاطلاع ومحبا للتحدث باللغة العربية الفصحى ولذا تراكمت لديه المعلومات وأصبح مثقفاً وبشكل مميز «كما يتحدث الشيخ محمد بن عبدالعزيز الماجد وهو الذي زامله في وظيفته في وزارة العدل أنه كان صاحب خط جميل جداً ويحرص على أن يكون جميلاً دون أخطاء وعن ثقافة العم عبدالله بن مدلج يقول الشيخ الماجد كان المشائخ في قضاياهم يعطونه ملاحظاتهم على القضايا كرؤوس أقلام واختصارات وهو يقوم بدوره بصياغتها وإخراجها متسقة مع بعضها وكأن قائلها قاض واحد وكانوا يثقون فيما يكتب ويحرر وقلما عدلوا وراءه .وقد انعكست هذه الثقافة على شخصيته، فهو يحترم الوقت بشكل عجيب ، كما أن شخصيته اتسمت بأخلاق عالية ودماثة ،تقول ابنته نورة: «كان أبي رحمه الله عادلاً بين زوجاته حنوناً على ذريته وأحفاده، صاحب بالٍ طويل في الحوار والنقاش يأسرك بابتسامته ، ولديه قناعة بما قسم الله له من مال وولد وصحة وكل شيء في حياته إضافة إلى أنه لايقارن نفسه وطبيعة معيشته بأحد، كما كان غفر الله له يحفظ أحوال الناس من الرجال والنساء وأنساب العوائل والأسر. يقول الشيخ محمد بن عبدالرحمن الدريبي توثقت علاقتي بالأخ عبدالله في بداية التسعينات الهجرية حين كنت أتردد من جازان على الرياض للمهام في الوزارة والانتساب في جامعة الرياض فكان يأخذني لزيارة الأقارب والأصدقاء كما كان لي المعين والمستشار الأمين يرشدني في كثير من الأعمال والمهمات فتكون لي هذه المساعدة إضافة معرفية أستفيد منها وأشكره عليها. كان رحمه الله يهتم بالشباب مع عشقه للرياضة وحين امتزجا سعى في عام 1385ه لإنشاء ناد رياضي في مسقط رأسه ثرمداء فجمع بعض المهتمين بذلك وعرض الفكرة عليهم وتم الاتفاق على ناد تمارس فيه الألعاب الرياضية ولكن المال وقف عائقاً لانطلاقته لكن أبا عمر لم يستسلم فقصد الرياض ليجمع من أهل ثرمداء ماتجود به أنفسهم للنادي لكن يظل أن ماتم جمعه لايكفي لتسيير ناد رياضي يحتضن شباب ثرمداء فاتجه لنادي الهلال النادي الذي يعشقه ويشجعه وتحديداً لمؤسس نادي الهلال الشيخ عبدالرحمن بن سعيد رحمة الله عليه وعرض عليه مشروعه ومدى فائدته للشباب ليقضوا أوقاتهم ويمارسوا لعب الكرة فيه، حينها أمدهم الشيخ عبدالرحمن بكل مايحتاجونه من أدوات رياضية تنهض بالنادي ولمدة سنوات قادمة انطلاقاً من تفعيل النادي الأزرق للمسؤولية الاجتماعية وخدمة رياضة الوطن، وهذا الموقف النبيل من الشيخ عبدالرحمن مؤسس نادي الهلال جعل النشاط الرياضي يتعاظم في ثرمداء ويجمع الشباب في مقر النادي للعب والتسلية، وكان العم عبدالله بن مدلج هو رئيس النادي طيلة وجود النادي الذي استمر لأكثر من عشر سنوات. كان لأبي عمر عبدالله بن مدلج رحلات استكشافية بلدانية داخل الجزيرة العربية للتعرف على مكوناتها التاريخية وآثارها وأوديتها ومدنها وقراها، فكانت ينظم الرحلات مع أبناء عمومته ويحدد سلفاً المكان والهدف من الزيارة والمرور، فقد زار مدائن صالح وقرية ثمود والساحل الشمالي الشرقي والجنوب فضلا عن رحلاته للطائف وقد كان لمرافقته للمشائخ في الطائف فرصة للتعرف على مكونات الطائف وجغرافيته. توفي رحمه الله في الخامس من شهر ربيع الأول من العام الجاري وكانت وفاته بعد مرض لم يمهله كثيراً ونعاه محبوه من الأقارب والأصدقاء يقول الشيخ محمد الدريبي في وفاته :»نعزي أنفسنا وأهلينا بفقدهم لأن الموت نهاية كل حي مهما طالت سلامته وعمر طويلاً نردد كثيراً من المعاني والعبارات التي نحسب أنها صادقة في نقل مشاعرنا ونستعيد من الذاكرة البيت الشهير للشاعر العباسي ابن النبيه: كما رثاه الشاعر محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله الدخيل اليوسف (ابن رميزان) في قصيدة قال فيها: كما يقول أيضاً في قصيدته: أسأل الله للعم عبدالله بن مدلج المغفرة والرحمة، وأن ينزله منازل الشهداء والصالحين ، هنا نعيد ونكرر أن هناك صفحات من التاريخ يطويها الموت دون أن يكون لنا حضور معها في توثيق ما يحملونه من قصص وأحداث ومعلومات ستضيف لخارطة التاريخ أبعاداً جميلة وستكون رافداً من روافد المراجع والمصادر المطبوعة. ** ** سعد بن دخيل بن سعد الدخيل - ثرمداء