وولى به ريب المنون فأسرعا لا تزال قوافل الراحلين صَوبَ الدار الآخرة، ليلاً ونهاراً رجالاً ونساء إلى أن يخلو سطح الأرض مُضْمرِينَ في باطنها، إلى أن يأذن الله بنهوضهم من مضاجعهم، ونصب الموازين القسط ليوم الحساب: كيف البقاء وباب الموت منفتح وليس يغلق حتى ينفد البشر ففي يوم الاثنين 9/3/1439ه وقبل آذان صلاة الظهر، أومأ شعوب بأن أيام إقامة الأخ الحبيب عبدالرحمن بن عبدالله بن قضيب قد انتهت تماما، بعد عمر مديد لا مس عبور (الهنيدة) تقريبا قضاه في عبادة الله ومكافحا في طلب الرزق الحلال، وقد أديت صلاة الميت عليه بعد صلاة العشاء بجامع الحزم في الحي الجديد بحريملاء، الذي قد ضاق بالمصلين، وكان الحضور مميزا رجالا ونساء، حضروا من الرياض ومن البلدان المجاورة لمحافظة حريملاء، راجين المولى له بالمغفرة، وحسن الوفادة من رب العالمين، وفور أداء الصلاة عليه تزامنت دمعات أسرته ومحبيه مع انهمال المطر بغزارة حتى توارى جثمانه الطاهر عن الأنظار في لحده: مُجاور قوم لا تزاور بينهم ومن زارهم في دارهم زارهم هُمّدا وكانت ولادته في حريملاء في أوائل الأربعينيات الهجرية، فنشأ وتربى تربية صالحة بين أحضان والديه، مُحبا للبذل في أوجه البر والإحسان، وقد درس في إحدى الكتّاب لتعلم الكتابة والخط وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وحضور ما يقرأ في المساجد في حِلق الذكر، ومن كتب المطولات...، التي كثيرا ما يُشرع في قراءتها قُبيل صلاة العشاء، وبعد صلاة العصر في غالب الأحيان، مما كان له بالغ الأثر في تنويره وإلمامه بالمفيد عبر سماعه من القراء الكرام..، كما أنه رغم صغر سنه يسأل خاله خال والده عبدالله، والدنا العالم الجليل الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف عن بعض المسائل الفقهية والأحاديث الشريفة النبوية التي تتعلق في أداء الصلوات الخمس، ولازلت ذاكرا وقوف عبدالرحمن قُبالة بوابة محلة (قراشة) وهو يسأل والدنا حرصا على الفائدة العلمية، فالوالد يفرح كل الفرح بذلك، وفق الله الجميع لما فيه الخير والبركة - وكان الساعد الأيمن لوالده في أعمال الفلاحة والزراعة في مقتبل شبابه..، ثم رحل إلى الرياض فزاول بعض الأعمال فترة من الزمن، بعد ذلك عاد إلى مهوى رأسه حريملاء، ففتح محلا تجاريا لبيع المواد الغذائية..، وكان الإقبال على محله شديدا لسماحته وجودة بضاعته، وصدق تعامله مع الغير، وإمهاله المعسرين حتى تتوفر لديهم قيمة احتياجاتهم من محله، ثم رغب في العمل الحكومي حيث عمل في فرع الأوقاف بحريملاء عددا من السنين مع قيامة مؤذنا في مسجد محلتهم شمال غرب البلد (سوق الجريد)، وفي آخر حياته تفرغ للعبادة في المسجد وقراءة القرآن الكريم، والرقية بالأدعية الشرعية على من يقصده من بعض المرضى، حيث اشتهر بذلك، وقبله والده الشيخ عبدالله بن قضيب -رحمهما الله-: وكلاهما مؤثرة دعواتهما في المرضى، وكان عبدالرحمن (أبو حمد) يُعلل بعض من يقصده من المرضى وينصحهم بالابتعاد عن الوساوس والتوهمات لعلمه، أن التوهم قد يقضي على حياة البعض إذا استسلم له مُتذكرا قول الشاعر حفني بك ناصف: وعللوهم بآمال مفرحة فطالما سرت الآمال محزونا لولا الأمانيّ فاضت روحهم جزعا من الهموم وأمسى عيشهم هُونا واليأس يحدث في أعضاء صاحبه ضعفا ويورث أهل العزم توهينا فمعظم المرضى يشفى إذا كان التوهم غير موغل في النفوس بسبب نصحه لهم وبقوة الإرادة وتوجيهه الأمثل - بإذن الله -، فأبو حمد كله خير وبركه عطوف على المحتاجين ومحب للبذل في أوجه البر والإحسان، ومما يؤثر عنه عندما يمر بتجمعات عمال البلدية فإنه يوقف سيارته فيمنح كل فرد منهم بما تيسر من المال مرارا، فأسرة القضيب مشهورة بالكرم وإكرام الضيف، كما سعد ببناء ثلاثة مساجد على الطراز الحديث من خالص ماله واحد منها بالخارج مع حفر بئر ماء، رجاء المثوبة من الله جل ثناءه عند لقائه، فقد لقيه بنفس راضية، ولقد أحسن الشاعر حيث قال: ستلقى الذي قدمت للنفس محضرا فأنت بما تأتي من الخير أسعدُ ولقد واساني الكثير في وفاته عبر الهاتف، وفي منزلي لما علموا مكانتي عنده، وأني أبن خاله -جزاهم الله خيراً-. ولئن غاب (أبو حمد) عن نوظرنا فإن ذكره الجميل باقي في طوايا نفسي وجميع محبيه، ولقد خلف ذرية صالحة بنين وبنات يجددون ذكره بالدعاء وبإكرام أحبته وأصدقائه..، -تغمده المولى بواسع رحمته- وألهم ذويه والشيخ الخال ناصر بن سليمان القضيب، وأخوته وأبناءهم، وأبناءه وبناته وعقيلته الكريمة (أم حمد) وأعمامهم وأسرة آل قضيب كافة، وجميع محبيه الصبر والسلوان. ** ** عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء