رأيتُ فيما يرى (الغائم) أنّني أسير على رفات هذا العالم بعد أن أُحيل إلى العدم! كنتُ أسير, واستعرض كلّ ما خططناه من خربشات على وجهه, حتى أحدثنا به ندوبًا من عُقدنا التي لا تنتهي. لقد تحمّلنا هذا العالم؛ تحمّل حماقاتنا, ونزواتنا, وأنانيتنا, وحقدنا, وحسدنا الذي نُلبسه أثوابًا وهيئات لا تشي به . كان أكثر ما يُثير ضحكي, وخيبتي في الوقت ذاته؛ غطرستنا في محاولة رسم خطط السير لغيرنا! نُقعّد لغيرنا القواعد, ونرسم المواعظ البالية؛ وكأننا أعلى منهم في الخلق! يا للبؤس! ناقص يظن في نفسه الكمال, ويفترض في غيره النقص. يضع قاعدة كونية من بنات أفكاره الصدئة؛ ليخبر العالم بأنه متألم حكيم! كيف لم يبصق في وجوهنا هذا العالم الذي أثخناه بعُقدنا؟ كيف تحمّل وطئنا عليه, ونحن يغش بعضنا بعضًا، ويرمي له الشِّباك؟ الشِّباك؟!! تذكرت! تذكرتُ ذلك الأحمق المترصد، الفارغ مع مرتبة الخزي الأولى, وهو يحارب كلّ الذين كبروا في مرحلة تقوقعه. كان بغيضًا جدًا, وهو ينتفش, ويُضخّم صوته, ليسمعه من لا يسمع.. يرفع صوته بثقة عوراء, ويحاجج فيما لا يعلم باتهامات بالية، وهو يعزف على وتر الدين تارة، والتراث, وإرث الأجداد تارة أخرى. نصّب نفسه حارس الفضائل السالفة، وأخذ يسرد على مسامعنا كلّ هراء يشعرنا بالغثيان. كلّنا في ذلك المكان نعلم كذبه، وضعفه في مجاراة كلّ هذا الجديد الذي عَبرَهُ دون أن يُعبِّره. عندما زجّ بأوراقي تحت الطاولة حتى يعطلني عن الحلم, لم يكن يعلم بأنني كنت أراه! لم أكن معه.. لكنني رأيته!! أعرف مايمكن أن يفعل الملوثون بأحلام الصغار, وهم يكبرون. دخلتُ المكان كقطة للتو أنجبت, وتنمّرتُ رغم الوجع في وجه المارة؛ لتحمي صغارها من عبث العابرين . عندما عادت إليّ أوراقي ناقصة، كنت بالباب؛ عيني على أيدي المارقين خشية أن يسرقوا حلمي معهم. وحده المتهم، وهم لا ذنب لهم! وصدق ظني أو سوء ظني!! ركضت إلى داخل معمل الأفكار الصدئة, ويدي على قلبي كالمذبوح, أكاد أن أتقيأ من فرط الألم . في داخلي عواصم تنهار, ومدن صامتة, وناطحات سحاب تخرّ من علو. بعد ساعة من البحث المنهك؛ تفقّدتُ فيها مواطئ الأقدام حتى وجدته! لقد وجدته منكفئًا على نفسه, لكنه ينبض . حلمي ينبض! لثمته كمن يريد أن يسد مسامه حتى لا تتسرب منها الحياة. ضممته.. نفضتُ عنه ما ناله من دوس أقدامهم, وبكينا! بكينا بسعادة عارمة . تدرّبنا سويًا على الحياة من جديد. والحمد لله أننا ما زلنا أحياء ولا عزاء للملوثين. ** **