- وين ماليندا؟ وينها .. أنا قلت لها بتزّوجها!! -............... - ايش تبغي هي!!؟.... قولولها أنا مستعد. و لما لم يحرن جوباً؛ اخذ يتوعدهن، ويقسم إيماناً بأنه سيتسبب في فصلهن، وتسفيرهن إلى الفيليبين. لكن الممرضات واصلن عملهن باحتراف غير حافلات بوعيده. كن مشغولات بإعداد ملخص عمل الليلة الماضية استعداداً لتسليمه إلى الفريق القادم بعد قليل فقد اقتربت الساعة من السابعة صباحاً. لم يلبث أن قَطَرَهُ ذهنه، من على سريره في جناح أمراض الكلى، إلى ماضِ سحيق. يغوص بين أحداثه السالفة، يقتنص ذكرى أو جزء من حوار أو عبارة، ثم يعود بسرعة البرق إلى ما قبل سنة أو اقل. يجوب عوالم لا يراها سواه. فتتداخل في ألفاظ يصعب تتبعها. تعلو وتيرة صوته كأنه يخطب في جماعة، لا يفتأ بعدها بالهمس لنفسه أو الحديث بنبرة طبيعية. لكنه يعود إلى الحاضر عندما يملأ عينيه بياض لباس التمريض فيسأل عنها. دوارٌ شديدٌ ينتابه، كلما هم بالوقوف على قدميه الملفوفتين بضمادات كبيرة، يمنعه الخروج من الغرفة و الوصول إلى حيث جلسن خلف منصة التمريض. كنّ حذرات أن يقتربن منه وهو في حالته تلك، فلطالما امتدت يده بالضرب أو القبض على أماكن حميمة. أرهف السمع، إذ كان نظره لا يسعفه في رؤية تفاصيل من بدأن يتقاطرن على المنصة من الفريق الصباحي. أدرك وصولها حين نطقت ممرضة بيضاء مكتنزة قليلاً ذات شعرِ فلبينيّ قصير لامع. انهمرن في سيل من الضحك، و سرت تعليقات كبغبغة الحمام حين عاد ينادي: - مليندا... مليندا.. ثم أكمل مكرراً عروضه السخية السابقة. أول ما قامت به (مليندا) بعد النظر في ملفه أن اتصلت بالهاتف. بعد دقائق حضر شاب فلبيني يلبس قميصاً وسروالا أخضرين فضفاضين و اتجه إلى غرفته. حالما شاهده صاح: - جويل حطني على الكرسي حطني. دار جويل من خلفه، امسكه بطريقة مهنية من أسفل إبطيه، متحاشياً إمساك مقدمة ذراعه اليمنى التي يستقر تحت جلدها قوس قسطرة وريديه، ثم وضعه على الكرسي المتحرك. كان يولي وجهه صوب المنصة باحثاً عنها و جويل يدفعه عبر الجناح. لثوان رآها بوضوح قبل أن يحول بينهما باب المصعد المتجه إلى وحدة الكلية الصناعية. عندما اخذ جويل يغرز إبرتين ذواتي فتحتين كبيرتين في قوس القسطرة المنتفخ بعد أن أراحه على أحد أسرة الوحدة، كان لا يزال يناشده التوسط لدى (مليندا) و جويل يعده خيراً. لكن صوت بكرات آلة غسيل الدم المثابرة في اعتلاك دمه أخذ يطرد صوته المضمحل ويحتل رويداً .. رويداً محيط السرير. في طريق العودة إلى الجناح بعد العصر كان وهو متكومٌ داخل كرسيه، في شبه إغماءة، أشبه بكومة أنسجة تفتقد هيكلا داعما. نقله (جويل) إلى صفحة سريره في غرفته. أخذت ( مليندا) تحكم ربط قناع ذي لون سماوي حول انفها وفمها بعد أن لبست قفازين مطاطيين و مريلة زرقاء. طردت الرائحة النتنة، التي فاحت من قدميه بعدما حلّت (مليندا) الضمادات، جويل خارجاً، فاختلت به مليندا. بملقط ومقص حاد أخذت تستأصل طبقات متفسخة من قدميه المحتقنتين، الأشبه بكتلتين مستديرتين متورمتين بعد أن بُتِرت، في عمليات متلاحقة، جميع أصابعهما. غسلتهما بسائلِ مطهر. وضعت عليهما مسحوق مضاد حيوي. ثم لفتهما جيداً بضمادات نظيفة قبل أن تريحهما على وسادة فوق السرير. لم يكن حتى ضجيج السابعة مساءً المصاحب لانتهاء النوبة الصباحية ليفيقه من غفوته. تنكبت (مليندا) حقيبتها الشخصية. استقلت المصعد إلى الدور الأرضي. عند وحدة الكلية الصناعية كان (جويل) في انتظارها. ضمن حشد ممن انتهت نوبات عملهم، مشيا جنباً إلى جنب عائدين إلى منزلهما. تقاربت أصابع يديهما واشتبكتا في عناق. ... ... ... * يوريميا: ارتفاع البولينا في الدم بسبب الفشل الكلوي. ** **