ما من شك أن غياب العلماء الكبار الأجلاء يكون له وقع مؤسف ومحزن، لا كغيرهم من أبناء البشر، فقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه العزيز، وأنهم مميزون على سائر خلقه، لعلو مكانتهم العلمية الدينية والأدبية بقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة، فهم كواكب الدنيا المضيئة للعامة والخاصة..، إذا هوى الواحد منهم أظلم جانب من الأرض.. فيحدث فجوة وفراغاً واسعاً يتعذر ردمه -إلا ما شاء الله- وفي الآيات الكريمة الأخرى {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (41) سورة الرعد، ففي فجر يوم الثلاثاء 4-2-1439ه انتقل إلى رحمة الله العالم الجليل الدكتور صالح بن غانم بن عبدالله السدلان أثر عارض صحي بمدينة الرياض، عن عمر ناهز 77 عاما -رحمه الله- وكانت ولادته عام 1362ه بمنطقة القصيم، وقد أديت صلاة الميت عليه بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء في جامع الجوهرة بطريق عثمان بن عفان.. وفي مقدمة المعزين والمصلين، صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وسماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، داعين المولى له بالمغفرة وطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق من أجداثهم ليوم الحساب، وقد زار منزل الفقيد معزياً ومواسياً أسرته، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي لم يفته يوم فيه آجر ورفعة، فهو دوماً صاحب مبادرات في مواساة الكثير من أبناء الوطن، والمسح على رؤوس أيتامهم واحتضانهم، وكان في استقباله أخوه الأستاذ عبدالله، وأبناؤه، معبرين عن بالغ شكرهم وامتنانهم لخادم الحرمين الشريفين على هذه اللفتة الأبوية غير المستغربة، وكان لهذه المواساة بالغ الأثر في تخفيف مصابهم الجلل، سائلين الله العلي القدير أن يمد في عمره بالصحة ودوام التوفيق، وهذه من سجايا (أبو فهد) المحمودة، أجزل الله له الآجر والمثوبة: ولقد حفظ الفقيد القرآن الكريم على يد والده وتتلمذ عليه ثم على عدد من المشايخ أبرزهم شيخنا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وعلى أخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وقد واصل -رحمه الله- دراسته في جميع المراحل بتفوق حتى حصل على درجة الدكتوراه عام 1403ه من قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بالرياض، في موضوع النية وأثرها في الأحكام الشرعية، فواصل أبحاثه حتى حصل على درجة الأستاذية، فأخذ يشرف على العديد من الرسائل العلمية، ويقوم بالتدريس في الجامعة...، فقد تخطى كل العقبات القاسية في طريقة أثناء دراسته رغم إعاقته البصرية، وبقائه وحيداً بعد وفاة والده مُبكراً, وقيامه في شؤون أسرته مع قله المادة إليه -آنذاك- وما وصل إليه من قمم عالية. ولله در الأستاذ علي الجندي حيث قال: وكان دمث الأخلاق طيب المعشر مع زملائه ومعلميه، سريع الحفظ فيما يسمعه ويتلى عليه من الآيات الكريمة، أو لحفظ للنصوص الأدبية، وغير ذلك من المحفوظات، والقطع الشعرية جيدة المعاني والسبك، وكأني به يستغل فترة الفسح الطويلة لاستذكار ما قد يتفوه به أحد أساتذته من حكم وأمثال مفيدة، هو وزميله الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي حالياً، في تلك المراحل الدراسية، الذي حزن على غيابه، وقد بدا ذلك واضحاً على قسمات محياه من حزن عميق، وهو واقف يصلي عليه متذكراً حلاوة أيامهما وهما على مقاعد الدراسة، وبه ما به من لوعات الفراق الأبدي، فلسان حاله يردد هذا البيت المؤثر: - كان الله في عونه وعون أسرة الفقيد- ولنا معه بعض الذكريات الخفيفة حينما زار محافظة حريملاء منذ فترة من الزمن وألقى محاضرة قيمة توجيهية حث فيها النشء على المداومة على أداء الصلوات في أوقاتها، وتلاوة القرآن الكريم وحفظه، والحرص على طاعة الوالدين والإنصات إلى توجيهاتهما، وأن رضاهما من رضاء الرب سبحانه وتعالى، ومعلوم أن العلماء المخلصين يبقى ذكرهم خالداً في النفوس تردده الأجيال جيلاً بعد جيل على تعاقب الملوين، ولقد أحسن الشاعر الذي قال: تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم ذويه، وأخاه الأستاذ عبدالله، وأخواته، وأبناءه وبناته وعقيلاته، وأسرته كافة، الصبر والسلوان. ** **