أمام المتغيّرات المعاصرة التي تواجه الناشئة والشباب في المجتمع من تيارات منحرفة، وسلوكيات مشينة تتطلّب المواجهة من الأسرة ابتداءً باعتبارها المحور الرئيسي في تحصين الأبناء وزيادة وعيهم وحماية عقولهم من الانحرافات الفكرية، ومحاربة ظواهر الغلو والإرهاب والتطرّف، وبمشاركة بقيّة مؤسسات المجتمع التي يقع على كاهلها مسؤولية كبرى في تحمل جوانب علمية وعملية، تثقيفية وتوجيهية. «الجزيرة» طرحت على عدد من الأكاديميين المهتمين بهذا الشأن التحدث عن مسؤولية الأسرة ومؤسسات المجتمع لمواجهة الانحرافات الفكرية، وظواهر الغلو والتطرف والإرهاب لحماية الناشئة والشباب، وكانت تلك الرؤى والمقترحات على النحو التالي: مشاركة الأسرة يقول الدكتور عبدالله بن محمد الصقر وكيل جامعة الأمير سطام للفروع: إنّ معظم المشكلات التربوية والاجتماعية وحلولها يمكن أن نربطها بعوامل مرتبطة بالمواقف الأسرية، وبدون مشاركة الأسرة وتحملها للمسؤولية الاجتماعية الشاملة يصعب مواجهة مشكلات المجتمع صغيرة كانت أم كبيرة، فقد ربطت دراسات عدة بين كثير من مشكلات المجتمع مثل الانحرافات السلوكية والجريمة وبين دور الأسرة في التصدي لها، لذا فلا يمكن إغفال دور الأسرة ضمن المجتمع الكبيرإطلاقا، فالوالدان اللذان يمثلان أهم مكونات الأسرة لهما الدور الأعظم في تحليل شخصية أبنائهما من خلال مساعدتهما على إبداء آرائهم والتعبير عن مكنوناتهم واكتشاف رؤيتهم للواقع وتطلعاتهم للمجتمع المحيط بهم، فمثل هذه الأساليب قادرة على اكتشاف بوادر مشكلات كامنة وخطيرة مثل التطرف والتعصب، وهما كلمتان أسبابهما الإصرار على الرأي أو الانحياز لرأي أو الميل إلى رأي معين، وخلال ذلك يستطيع الوالدين من معالجة أي مشكلة قبل حدوثها، ومن هنا جاء دور الأسرة الوقائي الهام عبر متابعة وتأهيل وتحصين أبنائها من الانحرافات الفكرية والسلوكية. محاور المواجهة الفكرية تعتمد على القدرة على التأثير فى اتجاهات الرأى العام عبر العمل الثقافى والتعليمى والإعلامى، وهى محاور تنشط فيها بشكل أساسى المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدنى، ولمؤسسات المجتمع المدني المتنوعة والمتعددة في أنواعها وأهدافها أهمية كبرى في التعاون فيما بينها للرفع من مستوى الوعي المجتمعي والتحذير من مخاطر الغلو والتطرف، وتجفيف المنابع يحتاج الى تكافل كافة فئات المجتمع، وياتي بعد دور الأسرة وفي المرتبة الثانية دور العبادة والتوعية الدينية لأن الدين يلعب عامل مهم في حياة المجتمع ومن خلال التأثير للدين على الشباب وعلى جميع الفئات العمرية؛ وكذلك المؤسسات التعليمية وهي شريك أساسي في القضاء على التطرف وكذلك للمؤسسات الثقافية والأندية الرياضية والاجتماعية وباقي مؤسسات المجتمع المدني من مؤسسات وجمعيات من خلال عمل حقيقي في جميع المناطق عن طريق لقاءات دعوية وثقافية يكون لها دور حقيقي وفعال في محاربة التيارات الإرهابية المتطرفة من خلال تكاتف الجميع في عمل جاد ومتواصل من المجتمع المدني والمؤسسات التربوية ودوائر الدولة تساعد على ترسيخ مفهوم المواطنة في نفسية المواطن ليتمكن بدوره من اتخاد قراراته بنفسه داخل المؤسسات التي يعمل ضمن مجالاتها والتضحية بالغالي والنفيس دون التأثير بالأفكار التي تروجها العصابات الإرهابية وفئاتها الضالة التي انحرفت عن مسار السلوك القويم للمجتمع قاطبة واستغلال الفرص من اجل الهيمنة للنيل بمقدوراته. توعية الشباب ويتناول الدكتور عبدالعزيز بن سعيد الهاجري وكيل عمادة التطوير الأكاديمي والجودة بجامعة الملك خالد بأبها المسؤولية المجتمعية للجامعات في توعية شباب الوطن حول مخاطر الغلو والإرهاب والتطرف من خلال تحقيق الأمن النفسي والفكري والاجتماعي لهم، حيث يعد الأمن من أهم مطالب الأفراد والمجتمعات، ومن أعظم المنن التي امتن الله بها على الامم كافة، قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، وقد أشارت إلى ذلك السنة النبوية، يقول صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا). إن مسؤولية توعية شباب الوطن حول مخاطر الغلو والإرهاب والتطرف يتقاسمها الجميع كل حسب موقعه ومكانته وادواره، فهي عملية تكاملية بين افراد المجتمع للتوعية والتثقيف بخطر الإرهاب ونتائج التطرف. وتعد المؤسسات التعليمية من أهم المؤسسات المجتمعية في تعديل وإصلاح السلوك ويعول عليها المجتمع كثيراً، وتسهم الجامعات في توعية الشباب حول مخاطر الغلو والإرهاب والتطرف من خلال: * التوعية بخطورة الغلو والإرهاب والتطرف ضمن مقررات التدريس وداخل المحاضرة. * إتاحة الفرصة الكاملة للحوار المنظم داخل القاعات الدراسية حول مخاطر الغلو والإرهاب والتطرف. * تضمين المناهج الدراسية القضايا والمشكلات المتعلقة بالغلو والإرهاب والتطرف. * تفعيل الجانب الوجداني في المقررات الدراسية بغرض التوعية من مخاطر الغلو والإرهاب والتطرف. * تفعيل الأنشطة الصفية المصاحبة للمقرر الدراسي بما يسهم في تعزيز الأمن ومحاربة الغلو والإرهاب والتطرف. * الاستفادة من نتائج البحوث العلمية المتعلقة بمعالجة قضايا الغلو والإرهاب والتطرف. * إنشاء الأندية الطلابية المناسبة المتنوعة لتنمية الأمن وتعزيزه ومحاربة الغلو والإرهاب والتطرف. * تفعيل الساعات المكتبة لمناقشة القضايا المتعلقة بالغلو والإرهاب والتطرف. إجراءات تربوية ويؤكّد الدكتور فيصل بن بجاد السبيعي عضو هيئة التدريس بقسم التربية وعلم النفس بجامعة الطائف أهمية تكامل أدوار الأسرة والمدرسة في تنشئة الناشئة على التوسط والإعتدال وذلك من منطلق المسؤولية المنوطة بكل مؤسسة إسترشاداً بمنهج نبينا صلى الله عليه وسلم في (حديث المسؤولية). فيقول - صلى الله عليه وسلم -: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). وتتمحور المسؤولية التربوية من خلال مناهج واستراتيجيات التوجيه والإرشاد النفسي التالية: أولاً: المنهج الإنمائي. ويتضمن إجراءات تربوية تتقاطع الأسرة والمدرسة المسؤولية في رعاية نمو شخصية الناشئ من جميع جوانبها الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية على الفطرة التي فطرها الله عليه، من حيث التوافق النفسي مع ذاته، وتجانسه مع مجتمعه، بحيث يندمج في منظومة المجتمع الأخلاقية السوية، وتوجه كل طاقاته وقدراته نحو التفاعل الإيجابي في الوسط الذي يعيش فيه. ثانياً: المنهج التوعوي أو الوقائي. ويتم عن طريق توعية عقول الناشئة بخطورة الغلو والتطرف، والذي يقود بالتالي إلى تطرف العضو- المندمج والمتجانس مع مجتمعه - إلى جماعة أخرى يتقاسم معهم توجه فكري سلبي ضلالي تجاه الوطن والمجتمع الذي يعيش فيه. فالأسرة تقدم الناشئ للمجتمع وتكسبه عادات المجتمع وعقائده والتي تشكل ثقافته التي يعتز بها، والمدرسة تعزز وتنمي تلك الثقافة التي يؤمن بها الفرد في مجتمعه، ويجب تقييم مرحلة الخلل التي تطرأ على فكر الناشئ وتشخيصها قبل الخلط في التعامل معها. ثالثاً: المنهج العلاجي. وهو منهج معني بمعالجة الظاهرة وقت ظهور ملامحها المتمثلة في مظاهر النقد للنظام، والتمرد عن التقيد بالتعليمات والتوجيهات، ورفض الأنظمة، واللامبالاة بنظام المحاسبة والعقاب. وقد يؤول التمرد والعصيان بالطالب لترك المدرسة، وعدم أهمية التعليم ومواصلة الدراسة لديه، كما يقود تمرده لقناعات فكرية سلبية تنعكس ويكشفها سلوكه. وعلى مستوى الأسرة يتمرد الأبن على نظامها، وينطوي ولا يبالي باجتماعها، ومشاركتها أحداث الحياة فرحا أو حزنا في غالب الأحيان وبالمشاعر الطبيعية لذلك، ويتخلى عن المسؤولية المناطة به كفرد يعيش في أسرة قدمته للحياة. وساهمت بعض حسابات قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة في رعاية الفكر المتطرف الغالي المنحرف، حيث التلقي الموجه سلباً ترعاه جهات معادية وحاقدة وناقمة على الوطن، من خلال معرفات مجهولة اتخذت من معرفاتها كنى أو أوصاف تلامس مشاعر المتابع الدينية؛ فيتوهم بتلك الكنى والأوصاف وينجذب إليها؛ فتسعى إلى تشكيكه في أفكاره السوية، وتعزز أفكاره التي تمرد بها على مجتمعه، ثم تقوم من خلال مراحل المتابعة والاحتضان إلى مرحلة التغيير السلبي لأفكاره الفطرية السوية، ومن ثم تنقله لشخصية ناقمة متمردة على المحيط الذي ينتمي إليه. فتبدأ مراحل التطرف والغلو بالتمرد على الأنظمة والتعليمات، ثم التخلي شيئاً فشيئا عن المسؤولية الاجتماعية بالانطواء والعزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه. ثم تبدأ مراحل الاندماج والتجانس الخفي حتى يؤول أبن الوطن؛ لمجند ضد أفكار ومعتقدات مجتمعه ووطنه، وتبدأ مراحل الضلال الفكري ويسلم نفسه لتلك الجهات ليسدد رمحاً قاسيا للوطن الذي يرعاه ليساهم في تنميته وتطوره، وليس ليكون معول هدم ودمار. لذا تبقى المسؤولية تكاملية، وليست جزئية بين مؤسسات التربية لرعاية الناشئ، وتعهده في مراحل عمره حتى يصل لمرحلة الرشد والتمام، وتكُون رأيه الإيجابي تجاه الحياة، وتمام عقله وفكره التمام السوي. وغياب المسؤولية تجاه الناشئ قد يقود إلى أدوار لجهات أخرى حملت على عاتقها مسؤولية في الاتجاه المقابل؛ لهدم تماسك المجتمع، وتقويض وحدة أفراده، وتفريق التفافهم حول قيادتهم.