شرّف الله بلادنا بوجود الحرمين الشريفين اللذين تهفو نحوهما قلوب المسلمين من كل مكان. ولم تتوانَ بلاد الحرمين -قيادة وشعباً- عن بذل الغالي والنفيس من أجل خدمة ضيوف الرحمن، والعمل على توفير سبل الراحة لتيسير أداء شعيرة الحج والعمرة على الحجيج من مشارق الأرض ومغاربها، وذلك منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز المؤسس -رحمه الله- مروراً بكوكبة من الملوك الكرام، وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ووفقه-. منظومة عمل متكاملة، وخطط وبرامج تتضافر فيها الجهات العاملة في خدمة الحجيج لتنفيذها خدمةً لضيوف الرحمن، وسهراً على راحتهم، وتوفيراً للخدمات لهم منذ دخولهم عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية إلى حين مغادرتهم للديار المقدسة عائدين إلى أوطانهم سالمين غانمين بعد أن أدوا مناسك الحج. وهي جهود مقدرة تقوم بها أجهزة الدولة المعنية بالحج وبمشاركة الهيئات التطوعية. وإن حكومة خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- لتتشرف بأن تولي الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة جل اهتمامها، إيماناً منها بدورها المنوط بها، نسأل الله -عز وجل- أن يتقبل ذلك ويجعله في ميزان حسنات ولاة الأمر، وأن يزيدهم توفيقاً وسداداً. ومن ثوابت المملكة العربية السعودية في الحج منذ أن استرعاها الله على الحرمين الشريفين -خدمة، وعناية، ورعاية، وتشريفاً، وتكريماً، وتكليفاً- إبعاد الحج عن أي تشويش على مظهر هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة؛ فإن الله تعالى أمر بتعظيم شعائره {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج 32). ومن ثوابتها أنها لا تمنع أحداً قصد هذا البيت مهما كان موقفه السياسي أو توجهه المذهبي، لكن يعلم حجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موقف المملكة الذي يرفض أن يحول الحج إلى منابر سياسية تتصارع فيها الأفكار والأحزاب والطوائف والمذاهب وأنظمة الحكم. ومن ثوابت هذه الدولة وسياستها أن الحج والديار المقدسة ليست ميداناً للعصبيات المذهبية، فلا دعوة إلا لله وحده، ولا شعار إلا شعار التوحيد (لبيك اللهم لبيك). وفي الختام يسرني أن أشير إلى أن الندوة العالمية للشباب الإسلامي تستضيف كل عام (100) حاج من القيادات الإسلامية والشبابية من مختلف البلدان لأداء فريضة الحج، وذلك انطلاقاً من دور المملكة الريادي في تفعيل وحدة المسلمين ورعاية الأقليات المسلمة ودعمها، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة. وهي توفر لحجاجها ظروفاً تعينهم على أداء الشعيرة وفقاً لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في يسر وأمان وفي جو إيماني يناسب الشعيرة ويليق بالمسلم إزاءها. وإن الندوة العالمية للشباب الإسلامي وهي تتشرّف بهذا العمل إنما تقوم بجزء من واجبها في الدعوة ورعاية المسلمين ابتغاء مرضاة الله تعالى. والله نسأل أن يجعل هذا العمل كله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يحفظ الحجيج ويتقبل سعيهم. والحمد لله رب العالمين. ** ** د. صالح بن سليمان الوهيبي - الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي