لم يكن الوصول إلى وسط مدينة أبها مساء الجمعة بالأمر السهل، وعلى الرغم من انضباط الحركة المرورية، ووجود رجال الأمن في أغلب الطرقات والميادين، لتسهيل حركة المركبات، التي أدت إلى انسيابية واضحة، صاحبها اتباع المواطنين للتعليمات، إلا أن هناك أمرًا مهمًا سيحدث، الطرقات مزدحمة، الفرح بدا على وجوه الشباب المتوجهين لوسط المدينة، وتحديدًا لمسرح المفتاحة الذي يعد أحد المعالم البارزة في المنطقة. نعم الشباب متوجهين لحدث غابوا عنه عشر سنوات، الزِّي الوطني السمة المشتركة بينهم، وفي كامل أناقتهم، أجهزتهم المتنقلة تم شحنها بالكامل، سيستخدمونها هذه الليلة، تم تفريغ ساحة المفتاحة من السيارات، المواقف المحيطة بوسط البلد بدأت تزدحم، مع مرور الوقت بدأ الازدحام أكثر، الوقت الآن بعد مغرب الجمعة بتوقيت أبها، الساحات المحيطة بالمفتاحة تشهد تجمعات الشباب، الاتصالات بين الأصدقاء بدأت.. يسألون عن نقطة لقائهم ليذهبوا سوية، رجال الأمن يقابلونهم بالضحكة وتقديم الخدمات، فيما رد الشباب عليهم بالدعوات والفخر، الأمور حتى الآن في غاية الروعة، دخل وقت صلاة العشاء، أاجتمعوا وأدوا فريضتهم. اقتربنا من مسرح المفتاحة، المسرح الذي يتسع لأكثر من 3800 شخص، كانت آخر حفلة غنائية قبل عشر سنوات تمامًا، الليلة سيعود الفرح لهذا المسرح، وسيعيدها سيد المسرح، قبل أيام، أعلنت فن الجزيرة وبشكل حصري وخاص عن عودة الحفلات الغنائية لأبها، في عام 2007، كان آخر من وقف هنا فنان العرب محمد عبده، وخلال السنوات العشر ظل أبو نورة يتذكر مسرح المفتاحة وأمنيته بالعودة إليها والغناء فيها، بعد خبرنا انتشر الأمر، محمد عبده سيعود لأبها للمسرح الذي يعشق، بدأت شوارع أبها تتزين بلوحات إعلان لحفلة فنان العرب، الصحف تتحدث، الجماهير الأكثر فرحًا، اشتروا التذاكر منذ يوم طرحها، يعلمون ماذا سيقدم فنانهم، سيقدم الجميل والقديم والغالي لهم. الجماهير أخذت مكانها في الحفل.. الفرقة الموسيقية وصلت.. ومن أمامهم المايسترو وليد فايد، والإيقاعيون كذلك، وصلنا الساعة التاسعة مساءً، وصل فنان العرب محمد عبده لمسرح المفتاحة الذي يعرف مداخله ومخارجه، تشهد له خشبته بتقديم المثير والكثير، منذ افتتاحها عام 1998م، حين وصل ألتقى بالصحافيين، كانت «الجزيرة» حاضرة كما هو الحال للقنوات والصحف الورقية والإلكترونية، ظهر مذيع الحفل بعد ذلك، ليرحب بفنان العرب، لم يدع الجمهور الذي احتشد المجال له، تعالت الهتافات والتصفيق والترحيب، هنا دخل أبو نورة، وهنا وقف من في المسرح، وقفوا حبًا واحترامًا لأحد رموزنا الفنية الذي نفاخر به العالم، الذي ظل وما يزال منذ نصف قرن يقدم الكلمة الجملية واللحن الأجمل والصوت العذب، يقدم لوطنه الحب كما يقدم الحب للوطن. هدأت عاصفة الترحيب، وانطلق يشدو فنان العرب، مسرح المفتاحة والتجهيزات المصاحبة من الضوء والصوت، والجماهير الحاضرة للاستمتاع والتوثيق، والهيئة العامة للحفلة، مؤشرات لنجاح الحفل، بقي ماذا سيقدم فنان العرب وما هي الأعمال..! لم يدع أبو نورة الفرصة للجمهور للتخمين والتفكير فنثر في وصلتين غنائيتين وصلتا لنحو أربع ساعات أروع أعماله وأجملها، جدد بعضها، وقدم الجميل، بخبرة السنين استطاع تجاوز مشكلات هندسة الصوت، ولأنه سيد المسرح عرف كيف يحرك الجمهور، الجمهور الحاضر ما بين السكوت للاستمتاع أو لحظات التوثيق. صال وجال أبو نورة في الحفلة حيث بدأ حفلته بأغنية «ما قلت له»، ثم أغنية «دعاني الشوق»، ليقدم أغنية أنورت سودة عسير حيث بدأها بموال «أبها حسبتك جنة الجنات»، ليقدم جديده «رماد المصابيح» ثم عمل «هيا معي»، و»سايق الخير» وأعقبها بأغنية «مثل صبيا» ليختتم الوصلة الأولى بأغنية لا يطول غيابك، وقد شهدت هذه الوصلة تنوع الشعراء في الأغاني المقدمة من فنان العرب بين الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن والشاعر إبراهيم خفاجي. وفِي الوصلة واصل أبو نورة الإبداع والتألق، حيث قدم أغنية «يا من عليه التوكل» و»رسولي قم» و»آخر زيارة» وأغنية «بنت النور»، وأخطيت، ليعود ويقدم بعدها «مذهلة» ثم «ظبي الجنوب» ليختتم الحفلة بأغنية لنا الله.