تعد «إسرائيل» من الدول المتقدمة في مجال تقنية المعلومات والبرمجيات وما يتصل بها من صناعات وخدمات، ويُدِرُّ هذا النشاط الاقتصادي دخلاً هائلاً ويُشكِّل عنصرًا مهمًا من العناصر المكوِّنة للصادرات الإسرائيلية إلى الخارج. وقد كانت مشكلتنا مع هذا الكيان منذ نشأته على الأرض الفلسطينية هي المسافة المعرفية الهائلة التي تفصل الواقع العربي عن الواقع الإسرائيلي. فالغاصبون الأوائل لفلسطين جاؤوا من أوروبا الغربية وأمريكا وروسيا ودول أخرى شديدة التقدم، وكان بينهم أيضًا بعض اليهود الشرقيين الذين لم يكن جميعهم متعلمين لكنهم ذابوا في الكيان الجديد فتعلموا وتفوقوا ووصل بعضهم إلى منصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزير والقيادي وصار منهم علماء ورجال أعمال وصناعيون ومصرفيون وأكاديميون وغير ذلك. لهذا كانت معركتنا غير متكافئة عندما خضنا معهم الحروب التي أدت إلى احتلال فلسطين أو التوسع في ضم المزيد من الأراضي، وخصوصًا حرب «عام النكبة» 1948 وحرب «عام النكسة» 1967م، كما اسميناها ببلاغتنا اللغوية المعروفة، فقد كانت جيوشنا العربية البدائية المتخلفة تحارب جيشًا يماثل جيوش البلدان الصناعية المتقدمة الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من حيث التسليح والتدريب وفق أحدث ما انتجته المعارف والعلوم والتقنيات. أخيرًا، أعلنت «الموساد» الإسرائيلية، وهي جهاز الاستخبارات والتجسس التابع للكيان الإسرائيلي، أنها بصدد إنشاء صندوق استثماري في شركات التكنولوجيا الفائقة التي قيل في تعريفها إنها «تُطوِّر برمجيات أو أجهزة أو خدمات يمكن أن تساعد الموساد في أنشطته التجسسية». وطبقًا للمعلومات التي نشرتها الصحافة فإن هذا الصندوق الذي تم تسميته ب»صندوق الابتكار التكنولوجي» أو «ليبرتاد» سوف يستثمر في مجال الروبوتات وتقنية تشفير المعلومات المتقدمة غير التقليدية وتكنولوجيا التعرف الآلي على الهوية التي سوف تتيح للموساد «تحديد المواصفات الشخصية انطلاقًا من الأنشطة والسلوكيات على الإنترنت». وبالطبع، لن يكون من الصعب على الإسرائيليين النجاح في هذا المشروع، ليس فقط بسبب علاقاتهم الواسعة مع الشركات الأمريكية والعالمية الكبرى التي تملك التقنية في هذا المجال، ولكن أيضًا لأن «إسرائيل» أصبحت مركزًا عالميًا متقدمًا في تقنية المعلومات والصناعات والخدمات المرتبطة بها. صراعنا الوجودي مع «إسرائيل»، كما قال مفكرون عرب كثيرون منذ اغتصاب فلسطين، هو في جوانب واسعة منه صراع حضاري ومعرفي. لكن المؤلم أن إدراك هذه الحقيقة لم يدفعنا بما فيه الكفاية لتضييق المسافة الهائلة بيننا وبينهم في هذا المجال.