تحت عنوان «التقبل السينمائي للقص الأدبي» أصدر الدكتور «أحمد القاسمي» أستاذ «سيميائيات الأدب والسينما بكلية الآداب والفنون والإنسانيات منوبة» مؤلفاً سينمائياً أكاديمياً يزيد قليلا على خمسمائة صفحة من القطع الكبير، يعتبر بحق مرجعاً في الثقافة السينمائية تغني المكتبة العربية التي تفتقر إلى هكذا نصوص تحلل بدقة جماليات فن السينما في جانب، وفي جانب آخر تقدم نماذج من الأعمال السينمائية المقتبسة من الروايات الأدبية العربية مثل رواية «القاهرة 30» لنجيب محفوظ ورواية «الخبز الحافي» للمغربي محمد شكري. في الفن ثمة قواعد وأسس كلاسية «مدرسية» التي أطلق عليها «الكلاسيكية» لا بد من طلبة الإخراج والتمثيل وكتابة السيناريو معرفتها، وبدونها يضيع السينمائي ويصبح عمله مجرد محاولات تنتمي إلى التجريب بديلاً عن البنية الفكرية والفنية الجمالية المتماسكة. وحين يتعلم السينمائي الأسس الكلاسيكية لفن السينما يصبح سينمائيا ولا خوف عليه. وحين يمتلك ناصية المعرفة الكلاسيكية، يستطيع أن يرحل في عوالم الإبداع وحتى في ابتكار المدارس الجمالية واللونية التعبيرية. فدراسة ألف باء السينما لا يمكن أن تبقى «مسطرة» تقاس بها حركات الكاميرا وطرائق علاقة الحوار بين المبدع والمتلقي بالمليمترات والسنتمترات والأمتار. ولذلك وافتنا تجارب السينمائيين بالإبداعات العبقرية التي ارتفعت وسمت بقيم الجمال إلى مديات لا حدود لها. ولكن كل هذه الإبداعات لم تكن لترتقي بالجمال والفكر لولا معرفة ألف باء السينما كفن وفكر. خلال بحث الدكتور القاسمي الذي يحتاج إلى قراءة متأنية لما فيه من مضامين علمية ومن قيم جمالية برؤية واعية، وفر لنا عالماً فيه بوابات كثيرة تتعلق بلغة التعبير السينمائية وهو يناقش التقبل السينمائي للقص الأدبي بمعنى الرواية الأدبية. وهو يعبر عنها بالمقاربة السيميائية التداولية» يقول الدكتور «عادل خضر» الذي قدم لهذه التجربة النظرية الأكاديمية عن السينما وعلاقاتها بالرواية ومن خلال هذه العلاقة تنكشف لنا أسرار لغة التعبير السينمائية الفكرية والفنية الجمالية. يقول الدكتور عادل خضر «تنتمي السينما إلى تلك الفترة التي أصبح فيها الكوكب الأرضي خاوياً من كل الأسرار والعجائب، غير قادر على حمل الناس على القيام بأسفار عجيبة في العالم، لأن العالم هو الذي صار يأتي إليهم مبذولا معروضاً للفرجة على شاشات السينما، بيد أنه سرعان ما انقلبت السينما، ومنذ بداياتها إلى وسيلة ل«قص الحكايات» ولقد تعاظمت أهمية هذه الوسيلة حتى غدت لا وظيفة لها سوى «القص» معوضة بذلك حاجة البشر القديمة إلى سماع القصص والخرافات وقراءة الروايات بمختلف أنواعها، بيد أن الحاجة إلى السينما لم تلغ الحاجة إلى الرواية، لأن التعبير بالسينما يمثل حاجة جديدة في التعبير عن إدراك فريد للعالم مختلف عن طريقة التعبير بالرواية» أن الدكتور القاسمي حلق في مجالات متنوعة في عالم السينما، بيد أن «القص» وهو النص الأدبي المكتوب روائيا، ليس هو المدخل الوحيد نحو السينما الروائية. فهناك القصة السينمائية التي يؤلفها كتاب متخصصون لا يخضعون في كتاباتهم لبناء الرواية ولا الدخول في تفاصيلها، والولوج إلى دواخل الشخوص وتحليل نفسياتهم متروكة للعلاقة الدرامية في التمثيل. هناك رأي يقول، أن الرواية تبقى أهم من الفيلم السينمائي. وحتى أن الفيلم السينمائي الذي أنتج عن رواية «الزمن المفقود لبروست» بقيت الرواية أهم بكثير من الفيلم السينمائي مهما حقق الفيلم من النجاح الفني والإتقان في التنفيذ. وهذا لا ينطبق على كثير من الروايات، بل هي الروايات المتقنة الصنعة. أعمال «ديستويفسكي» بقيت الروايات أهم من الأفلام التي صنعت منها، وكانت أفلاما عظيمة. أما رواية الحرب والسلام لتولستوي بأجزائها وعوالمها العظيمة فإن السينما الروسية واعتزازاً بالكاتب وعظمته الإنسانية والإبداعية فإنهم أنتجوا عنها فيلما بعدة أجزاء تعتبر ترجمة حرفية بصرية للرواية المكتوبة. تختلف العلاقة بين النص الروائي والنص السينمائي، فحيناً يتجاوز الفيلم السينمائي الرواية كما حصل في فيلم «أنهم يقتلون الجياد أليس كذلك» وأحيانا تبقى الرواية هي الأهم. وكمثال آخر فإن أعمال المسرحي الأمريكي «تنسي وليامز» والذي كتب أهم المسرحيات التي نفذها «أيليا كازان» فإن الفهم المتبادل بين الاثنين وعلاقتهما بالمسرح في «ستيوديو الممثل» خلق حالة جدلية بين أدب تنسي وليامز وحلم إيليا كازان السينمائي. عالم واسع ومدهش لما حققته السينما بلغتها التعبيرية وعلاقاتها بالنص الأدبي، حققه المؤلف الأكاديمي الذي دونه بقدرة إبداعية جميلة «الدكتور أحمد القاسمي» هو مؤلف ينبغي أن يدرٌس في جميع أكاديميات السينما في العالم العربي، ليس هذا فحسب، بل أن تكون فكرة قراءة النص الأدبي ومشاهدة الفيلم السينمائي وتفسير العلاقة بين لغة التعبير الأدبية ولغة التعبير السينمائي، ضرورة تقودنا إلى فهم أسس العمل السينمائي حين يمر عبر النص الروائي.