قلتها وأغلقت نافذة غرفتي. قبلها كنت أحاول البحث عن نجمة تخبرني أن السماء ما تزال بخير وأن النجوم التي كانت تتلألأ في طفولتي لم تغادر مكانها وليس هناك داع للخروج في رحلة برية للنفود كما أخبرني زوجي للبحث عن نجماتي والاطمئنان عليها. ما زال الحنين يأخذني للسماء العجيبة التي تستوطن ذاكرة طفولتي، لتلك القرية التي كانت جغرافياً تغفو بين القصيم وحائل، ولكنها بالنسبة لي قرية عنوانها السماء أمارس فيها الركض والقفز بين نجمة وأخرى وأعيش فيها قصصي التي كانت تعود مذعورة عندما ترتطم بجدار غرفتي في مدينة الرياض كلما حاولت عبثاً أن يأخذني الخيال إلى بيت شجرة وأن أعيش مثل فلونه او حتى أن أقلد لينا وهي تطعم الطيور.! تلك القرية ومزرعة جدي بالذات كانت ملاذ أحلامي وعنوان سعادتي بداية من شجرة الأثل التي تحولت قاعدة للأرجوحة التي حملتني على جناح حلم لأعانق شجر الرمان نهاية بالنخيل الشامخ الذي كنا نختبىء خلفه ونحن نلعب (الحبشه). إجازة الصيف في طفولتي هي الاستيقاظ على صوت مكينة ( اللستر ) والماء المنساب في الساقي وجمع البرسيم لتلك الأغنام الشقية والتقاط شيء من دبس التمر الذي كان اكتشافي له من أجمل وألذ الاكتشافات. كأنه اليوم عندما وقفت مذهولة أمام الخزان الأسطواني الذي في أسفله صنبور ولكن بدل أن ينساب الماء كان هناك شيء مثل العسل يقطر منه لأتعلم أنه من كل شيء يولد شيء آخر.! في تلك المزرعة كل شيء كان منظما ومرتبا بشكل دقيق حتى الأغنام كانت تعرف متى تعود للحظيرة.! في ليلة شدني الحنين فيها للنجمات ولهواء نقي اتنفسه بعمق وحب، عادت بي الذاكرة لثلاثين عاماً مضت وعدت معها تلك الطفلة التي كلما سقطت نجمة التقطتها لتزين عالمها بعقد نجمات يضيء أحلامها كلما أظلمت الدنيا.! بدرية الشمري - مسافرة