كثيرون يرون أن الاتحاد السعودي لكرة القدم أخفق في أولى خطواته عطفًا على نتائج ملفين مهمين، طال الحديث عنهما، هما قضية انتقال العويس من الشباب للأهلي، وقضية توقيع عوض خميس لناديين خلال خمسة أيام. وعلى عكس هؤلاء أقول: إن الاتحاد السعودي نجح بذكاء في حل المعضلة الأصعب والأهم التي من شأنها أن تؤثر على مسيرته طيلة السنوات الأربع المقبلة فيما بعد نظرًا لكونهما قضيتَين أطرافهما أندية كبار، ويمتلكون سطوة وحظوة جماهيرية وشرفية، يحسدون عليها. وكلنا يعلم أهمية الانطباع الأول والصورة الذهنية التي تبقى في أذهان الجميع عن الاتحاد، وكيفية تعامله مع المشاكل والتجاوزات، وتحديدًا من الأندية الكبيرة، وكيف يصبح الحكم فيما بعد في كل موقف مقبل مبنيًّا على تلك الصورة الذهنية التي تكونت في وقت مبكر. نعم، قد يرى البعض أن العقوبات كانت مخففة، ولكن الاتحاد السعودي - ولن أقول لجنة الانضباط؛ لأنها لجنة حُلّت قبل البت في القضية - كان شجاعًا في تحمُّل مسؤولية القرارات، وأعلنها دون رضوخ وبلا خوف، وهو ما كنت أنادي به من قبل عندما طالبت اتحاد الكرة بسرعة البت في القضيتين، وعدم تحميل نتائجهما على الشخص الذي سيرأس لجنة الانضباط بعد المستقيل طارق التويجري؛ لأن التفسير الوحيد لتلك الخطوة هو التردد والخوف من ردة الفعل؛ فكان الاتحاد السعودي أشجع من رمي الأخطاء على الغير، وتصدى للمهمة الأصعب بنجاح. وأقول بنجاح هنا أيضًا لأن القرارات لم تخرج عن لائحة الانضباط؛ فجميعها تستند إلى تلك اللائحة، كما أن مسؤولي الاتحاد لم يغلقوا الباب، بل منحوا الأطراف جميعها فرصة الاستئناف، أو بالأصح التوجه للجنة التحكيم الرياضي. وبالتالي حفظوا للجميع حقوقهم في الوقت ذاته الذي حفظوا فيه وجه الاتحاد السعودي من أن يراق، عندما عاقبوا بكل صرامة كل طرف مخطئ. وهنا لا بد أن نذكِّر اتحادنا السعودي الموقر ورجالاته بأن الصعاب والعقوبات لن تتوقف عند ما حدث في الانتخابات، وما تلا ذلك من قضايا، البعض يرى شيئًا منها مفتعلاً للإطاحة بالاتحاد الجديد؛ فما زال الطريق في بدايته، والأمر يحتاج إلى خارطة طريق - حقيقة - جريئة وقوية، لا تهادن ولا تجامل ولا ترحم المخطئ أيًّا كان؛ لأن ذلك وحده ما سيفرض احترامها على الجميع. ولأن فرض هيبة الاتحاد السعودي، وخصوصًا بعد سنوات مهترئة، صاحبها كثير من الرضوخ وطأطأة الرأس والاستسلام لسطوة بعض الأندية، أمرٌ مهم وجذري لمواكبة عودة الكرة السعودية لسابق عهدها. فقوة الاتحاد السعودي - بلا شك - ستضيف المزيد من القوة والهيبة لمنتخب الوطن وأنديته ولاعبيه. كما أذكِّر الاتحاد السعودي الموقر بالوعود التي أطلقها رئيسه د. عادل عزت أثناء حملته الانتخابية متمنيًا أن يبدأ في محاولة تحقيقها من الآن؛ فظهور البوادر يمنح الاتحاد المزيد من ثقة المتابعين، والمزيد من الوقت لتحقيق الأهداف. وبما أننا في موضوع التذكير أيضًا لا أنسى تذكير كل متابع وكل مشجع وكل إعلامي وكل مسؤول بأن التعصب لمصالح الأندية والمصالح الشخصية ودعمها وكسر اللوائح على حساب العدل والمصداقية والأمانة لا يدخل ضمن الذكاء والمكر والدهاء، وليس له علاقة بالتشجيع والوفاء، بل هو خروج عن تعاليم ديننا أولاً، ثم عن عاداتنا وقيمنا التي تربى مجتمعنا عليها حيث الشهامة والمروءة والصدق وحفظ حقوق الناس.. فلا تندفع كثيرًا لكي لا تخسر نفسك وتعطي انطباعًا سيئًا عن ناديك.. وتذكَّر أنها كرة قدم فقط، تفرحك أيامًا وتحزنك أيامًا أخرى، ولا يمكن لفريق واحد أن يحوز الأفضلية على الدوام، وإلا لما نزلت البرازيل عن برجها العاجي، وتلقت أشنع الخسائر على مرأى من جماهيرها.. فما يحقق النتائج ويجلب الفوز ومعه السعادة والرضا هو العمل في الملعب فقط، وما يحدث خارج الملعب لا يعد كونه صراخًا، يؤذي صاحبه أولاً وأخيرًا. ثانية «إن احتمال هزيمتنا في أي نزاع يجب أن لا يثنينا عن تأييد القضايا التي نؤمن بأنها عادلة». إبراهام لنكولن ... ... ...