في مباراة الاتحاد والهلال الدورية التي أُقيمت في جدة «الدور الثاني»، والتي أعتبر نقاطها بل يعتبرها معظم النقاد والمتابعين أنها كانت مفصلية، وقرَّبت الهلال بشكل كبير من لقب الدوري؛ كونه المنافس الحقيقي له، حدث أن خرجت الجماهير عن النص بعد أن شاهدوا لاعبي فريقهم أيضًا يخرجون عن النص، وكثرت عبوات المياه على أرض الملعب بعد أن قذفوها تجاه لاعبي الهلال، بل حتى حين تنفيذ نواف العابد ركلة الجزاء تم قذفه بالعبوات، ثم مطاردته بعد تسجيلها من قِبل اللاعبين. وبعد المباراة توقع الجميع تصريحًا ساخنًا من رئيس الهلال الأمير نواف بن سعد، وخصوصًا وهو منتشٍ بقلب فريقه النتيجة، وانتصاره العريض على أهم خصومه وهو يلعب خارج أرضه، ولكن الرئيس الواثق بدا هادئًا، بل رحب ببعثة نادي الاتحاد، وأبدى استعداده لفتح أبواب ناديه ليؤدوا تدريباتهم، فأثر هدوء الرئيس وتماسكه على لاعبي فريقه، ولم نرَ خارج الملعب ما يوازي تلك الأحداث التي شاهدها الجميع داخله. هذه الحالة حينما حدثت قلت حينها إنها ردة فعل فريق بطل رئيسًا وإدارة وجهازًا فنيًّا ولاعبين.. كيف لا وهم من قدموا مصلحة ناديهم على انتصار شخصي، وفضلوا الاستعداد للمباراة المقبلة على مناقشة 90 دقيقة مضت. واليوم أجزم بأن تلك السياسة هي أحد أهم أسرار تفوُّق الهلال. وبعد مباراة الهلال والشباب التي حسم من خلالها الزعيم لقب الدوري اتجه اللاعبون وأعضاء مجلس الإدارة والجهاز الفني مباشرة لمنافسهم الشباب، وواسوهم على الخسارة، ثم اتجهوا بعيدًا عنهم، وتحديدًا نحو جماهيرهم؛ ليمارسوا طقوسهم المعتادة عند الفوز ببطولة ما، ولم يبالغوا في الفرح أو يسقطوا على الآخرين في تصرفاتهم أو من خلال تصريحاتهم في تجسيد رائع لمبدأ (ابتسم عند الخسارة وتواضع عند الفوز)؛ وذلك سر آخر من أسرار التفوُّق. ومع أن الهلال خاض خلال المواسم السابقة أشرس المنافسات، وأكثرها تنوعًا، إلا أن رئيسه لم يتطرق للماضي إلا في حالة واحدة فقط، تعد الأجمل في نظري، هي شكره للرئيس السابق عبدالرحمن بن مساعد، وتأكيده أنه ساهم في تجهيز هذا الفريق البطل؛ ليضيف لنا ذلك الوفاء سرًّا آخر. وذلك التواضع والاحترام وتقدير عمل الآخرين قلما يُشاهَد في وسطنا الرياضي، لكنه بات ديدنًا للهلاليين مع تعاقب إدارته.. وكل إدارة تأتي نشاهدها تزجي الشكر لما قبلها، فضلاً عن أهمية تواصل الإدارات ورجالها وأعضاء الشرف، وقربهم من بعض ومن ناديهم في حالة لا تحدث إلا في الهلال فقط؛ إذ لا صوت يعلو فوق مصلحة النادي.. وفي رأيي، إن ذلك هو السر الباتع والأيقونة الأهم في الهلال، الذي لا يتمنى أي مشجع غيور على ناديه أن يتغيَّر. وأضف إلى ذلك الأسرار المكشوفة، مثل الإعداد الجيد، واختيار اللاعبين وفق حاجة الفريق، والتعاقد مع أجهزة فنية تليق بحجم الفريق والتدخل إن لزم الأمر، واتخاذ القرارات الطارئة والمهمة دون خوف أو تردد كما حدث في إقالة غوستافو والتعاقد مع دياز، وخلق الأجواء الصحية في النادي، والتعامل بذكاء مع المشاكل التي تحدث أثناء التدريبات أو داخل المباريات. وهنا أتذكر موقفًا يجسد تلك الفكرة تمامًا، وكيف أن معالجة الأمور بحكمة تفيد الفريق أكثر، وهي حالة حدثت بعد مباراة الهلال السعودي والريان القطري التي أقيمت في الرياض ضمن دوري أبطال آسيا، واستطاعت إدارة الهلال بقيادة رئيسها المحنك والحازم حلها بهدوء بعيدًا عن أعين الجماهير وأضواء الإعلام، ومع ذلك لم يخرج أحد من الإدارة ليتباهى بحل المشكلة أو يشتكي منها، وهنا مربط الفرس، وهو القدرة على إبعاد الفريق واللاعبين عن أي سبب يخرجهم عن تركيزهم، وذلك سرٌّ آخر للنجاح؛ فلم أشاهد إدارة نادٍ سعودي تتعامل مع فريقها بتلك الطريقة على الرغم من كونها هي الأساس لأي عمل ناجح في أي فريق. وأخيرًا يستحق رئيس الهلال التحية على عدم استئثاره بوهج البطولة ونسبها لجميع من يعمل في ناديه وللجماهير.. وقد لا يكون ذلك آخر أسرار التفوق. ثانية «تذكَّر أن سلوك كل فرد يتوقف عليه مصير المجموعة». الإسكندر الأكبر