في هذا اليوم يحتفل أهالي بريدة برعاية أمير القصيم صاحب السمو الملكي الدكتور الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز، بتكريم أحد أبناء بريدة ورجل ذاع صيته في الآفاق، رجل خدم الدولة ملكاً ووطناً زهاء (42) عاماً في موقع له من الحساسية والأهمية، ما يجعل من يتبوؤه يجب أن يتحلى بصفات وسمات وكفايات ودراية وسياسة استثنائية، لذا تحتفل بريدة بابنها معالي الشيخ محمد بن علي أباالخيل وزير المالية الأسبق، ليس لكونه من أهل بريدة، بل لكونه رجلاً له مآثر ومناقب وحسنات يفخر بها من ينتسب له، و يذكرها من عمل معه، ويستشعرها من تعامل معه. ويشكره من ناله بعض إنجازه. عرفت (أبا علي) كما يحلو لأصدقائه تلقيبه وما يستحليه هو منذ أن عرفت الدنيا، عرفته بما سمعته عنه من والدي (رحمه لله)، ولكونه يسكن الرياض وأنا في بريدة فلم أحظ بقربه سوى لحظات كان خلالها يزور بريدة، وبعد أن كبرت وسكنت الرياض أصبحت فرصة الاقتراب منه أكثر وإن كانت قليلة لانشغاله بمهام الوزارة، إلا أني لا أترك زيارته صباح يوم الجمعة ولو لدقائق، وكانت العلاقة عائلية أبوية بحكم فارق العمر، وبعد أن تحرر من أعباء العمل ازددت من اقتراباً، وأصبحنا أصدقاء وأقرباء وله فضل كبير في الإرشاد والنصيحة، فمن له صديق أكبر بمنزلة محمد العلي أباالخيل فلديه كنز من الحكمة والروية لا يفنى ولا يبخس. عندما ترك العمل في وزارة المالية، ذكرت له ذات يوم، أن هناك شعوراً لدى كثير من الناس وكلاماً يتردد أنه وأقصد (أباعلي)، هو من أرسى قواعد العمل في وزارة المالية، وجعل للوزارة دورها الرائد في مسيرة التنمية في منتصف السبعينات الميلادية، فأطرق ثم قال «الناس يتشكل لديهم الانطباع بحسب ما يسمعون، ولكن الحقيقة أن من أرسى قواعد العمل ونظمها في وزارة المالية هو الأمير مساعد بن عبد الرحمن - رحمه الله - وأنا كنت محظوظاً بالعمل بين يديه وبتوجيهه وتعلمت منه الكثير»، (أبا علي) رجل حافظ للود والمعروف حفظ الرجال الكرام، فكثيراً ما كان يذكر أنّ للمرحوم الشيخ حسن المشاري فضلاً في ترشيحه لوكالة وزارة المالية، عندما كلف الشيخ حسن بوزارة الزراعة وكان (أباعلي) مديراً لمعهد الإدارة، وهو رجل متواضع يخجله المديح ولو كان أقل مما يستحق، وفي ذلك يقول الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه (أعلام بلا إعلام ) ويقصد الشيخ محمد أباالخيل «إن الرجل هو نموذج لا يحب أن يتحدث عن نفسه، ولا يرغب من معارفه أن يتحدثوا عنه، فضلاً عن أن يسمع من أحد إطراءً أو تبجيلاً، وهو ما يفسر خلو الصحافة - عبر عمره الإداري - من أي مادة تصب في هذا السياق». تميز الشيخ محمد أباالخيل بذهنية حاضرة وذاكرة وقّادة وإلمام بالأنظمة والقرارات الملكية والوزارية السابقة لعهده بوزارة المالية، حتى أن كثيراً ممن عمل معه يذكر ذلك بإعجاب، ويعزو بعضهم ذلك لطبيعته الحذرة من الوقوع في الخطأ والحرص على المال العام، فهو يدرك أن وزارة المالية هي نهاية المطاف لكثير من معاملات الدولة، وبالتالي هي البوابة الأخيرة للتدقيق وحماية أموال الدولة، وهذا الأمر جعل لوزارة المالية هيبة وحساباً، فبات كل من يتعامل مع الوزارة يتأكد ويدقق في معاملاته قبل أن تصل وزارة المالية، استدراكاً لما يمكن أن يكشف من سهو أو خطأ . وذاكرة الشيخ محمد أباالخيل تتميز في جوانب أخرى وخصوصاً معرفة الناس و علاقته بهم، فذات مرة كنت معه في زيارة قريب في المستشفى التخصصي وعند المصعد قابله شخص احتفى بالسلام عليه، وبعد أن ذهب الرجل «قال لي هذا الرجل كان موظفاً بديوان الوزارة وذكر نشاطه وجده في العمل وأنه تقاعد منذ سنوات» فهو يعرف معظم موظفي الوزارة معرفة باخصة. قليل هذا الذي قلت عن من أجده في كثير من الأحيان قدوة أستلهم الكثير منه, وقد أعجز أحياناً أن أتمثل بعض سجاياه، فهو كما ذكرت آنفاً منجم حكمة وأدب وأخلاق، أرجو الله أن يمد بعمره على ما هو عليه من تقى في الدين، وصحة في البدن وسعة صدر ورحابة نفس وغمرة بمحبة الناس.