هذه الحلقة الرابعة من وقفات مع كتاب (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب، من 1934 إلى 1987م) إعداد محمد شوقي أمين وإبراهيم الترزي، نشره مجمع اللغة العربية في القاهرة، عام 1989م. جاء في ص101، «يجوز استعمال (أم) مع الهمزة وبغيرها، وفاقاً لما قرره جمهرة النحاة، واستعمال (أو) مع الهمزة وبغيرها كذلك، على نحو التعبيرات الآتية: سواءٌ عليّ أحضرت أم غبت - سواءٌ عليّ حضرت أم غبت - سواءٌ عليّ أحضرت أو غبت - سواءٌ عليّ حضرت أو غبت. والأكثر في الفصيح استعمال الهمزة وأم في أسلوب (سواء)». وهذا قول مجمل يوهم أنّ الاستعمال متساوٍ في تلك الْمُثُل، وليس هذا مذهب جمهور النحويين بل مذهبهم التفريق في الاستعمال بين (أم) و(أو)، وهو ما يُفهم من قول سيبويه «لأنَّك إذا قلت: سواءٌ عليَّ أذهبت أم مكثت فهذا الكلام في موضع سواءٌ عليَّ هذان. وإذا قلت: ما أبالي أذهبت أم مكثت هو في موضع: ما أبالي واحدًا من هذين. وأنت لا تريد أن تقول في الأول: لأضربنَّ هذين، ولا تريد أن تقول: تناهيت هذين، ولكنك إنَّما تريد أن تقول: إن الأمر يقع على إحدى الحالين. ولو قلت: لأضربنَّه أذهب أو مكث لم يجز، لأنَّك لو أردت معنى أيهما قلت: أم مكث، ولا يجوز لأضربنَّه مكث فلهذا لا يجوز: لأضربنَّه أذهب أو مكث، كما يجوز: ما أدري أقام زيدٌ أو قعد. ألا ترى أنَّك تقول: ما أدري أقام كما تقول: أذهب، وكما تقول: أعلم أقام زيدٌ، ولا يجوز أن تقول: لأضربنَّه أذهب»(الكتاب، 3: 186)، وقول الفارسي «قوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة-6] لفظه لفظ الاستفهام ومعناه الخبر، ومثل ذلك قولهم: ما أبالي أشهدت أم غبت، وما أدري أأقبلت أم أدبرت. وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام وإن كان خبرًا؛ لأن فيه التسوية التي في الاستفهام، ألا ترى إذا استفهمت فقلت: أخرج زيد أم أقام؟ فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، كما أنّك إذا أخبرت فقلت: سواء عليّ أقعدت أم ذهبت، فقد سويت الأمرين عليك، فلمّا عمّتهما التسوية، جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام، لمشاركته له في الإبهام. فكلّ استفهام تسوية، وإن لم يكن كل تسوية استفهاماً»، ثمّ قال «ولا يجوز في هذا الموضع (أو) مكان (أم)، لأن المعنى: سواء عليّ هذان، ألا ترى أنك لو قلت: سواء عليّ القيام والقعود، لم يجز إلّا الواو. وكذلك لو أظهرت المصدرين اللذين دلّ عليهما لفظ الفعلين المذكورين في قوله تعالى: {اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور-16] لقلت: سواء عليكم الجزع والصبر، ولم تقله بأو» (الحجة للقراء السبعة، 1: 264-265). ويبين الرمّاني الفرق بَين (أم) و(أو) يقول «إِن (أم) اسْتِفْهَام على معادلة الْألف بِمَعْنى (أَي) أَو الِانْقِطَاع عَنهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك (أَو)؛ لِأَنَّهُ لَا يستفهم بهَا، وَإِنَّمَا أَصْلهَا أَن تكون لأحد الشَّيْئَيْنِ» (منازل الحروف- نفائس المخطوطات، تحقيق محمد حسن آل ياسين، ص39). والذي ننتهي إليه أن جملة (سواءٌ عليّ أحضرت أم غبت) صحيحة وأن جملة (سواءٌ عليّ أحضرت أو غبت) غير صحيحة. وجاء في ص125 «ممَّا تجري به أقلام كثير من المعاصرين نحو قولهم: قد أدّى واجبه، ومحمد هو الآخر يؤدي واجبه. فاطمة تصلي، وهند تصلي هي الأُخْرَى. درست اللجنة هذا الأسلوب، وناقشته من شتى نواحيه، وانتهت إلى أنه لبيان المماثلة، وقد يكون للتبكيت، على نحو ما جاء في تفسير الإمام الرازي من قوله: «يقول من يكثر تأذيه من الناس - إذا آذاه إنسان - : هو الآخر جاء يؤذينا، وربما يسكت على قوله: أنت الآخر، فيفهم غرضه، كذلك هنا». هذا .. والضمير مبتدأ بعد الاسم في المثال الأول، ومؤكدٌ للفاعل بعد الفعل في المثال الثاني، أما لفظ الآخر، أو الأُخرى، فهو بدل من الضمير في كلتا الصورتين. ولهذا ترى اللجنة أن التعبير صحيح لا بأس على الكتاب فيه». من الواضح تكلف قبول هذا التعبير الركيك المكتسب من بعض العاميات، والمعنى المراد لا يوافق ما ذهبت اللجنة إليه من إعراب، فالمعنى المراد هو معنى (أيضًا)، فهم يريدون في الجملة الأولى: قد أدّى واجبه، ومحمد أيضًا يؤدي واجبه. ويريدون في الجملة الآخرة: فاطمة تصلي، وهند تصلي أيضًا. وشتّان بين هذا وما بيّنته اللجنة. وأما استعمال الرازي فمختلف جدًّا وليس صالحًا للتمثيل لهذا الاستعمال، وهو ليّ للنص أو سوء فهم لا يليق بالرازي. إن الصواب بيّن، والخطأ بيّن، ولا يشفع للخطأ شيوعه بين الناس، ولا يجوز أن نقبل الدنيّة في لغتنا إرضاءً للناس، يمكن أن نقول إنه مستوى من الاستعمال، ولكنه استعمال نفهمه ولا نقره ولا نعلّمه ولا نعتمد عليه، كما أننا نفهم العاميات ونقبلها في مجالاتها؛ ولكنّا لا نعلّمها بل نسعى للرقي بها لترتفع إلى مستوى الفصيحة المشتركة.