تحقيق: الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان أستاذ الأدب والنقد رئيس مجلس أمناء مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية ورئيس نادي المدينة الأدبي من منشورات نادي المدينةالمنورة الأدبي المدينةالمنورة 1436ه/ 2015م وأؤيد أيضًا القول بأن هذا الموجود من الشروح ربما كان مشروع شرح للوحشيات لم يكتب له التمام. وسأنتقل الآن إلى نص تحقيق الأستاذ الدكتور عسيلان لنرى كيف تعامل مع مخطوط (يزد) الإيراني، وهل حقًا استفاد منه؟ إن المتصفح لهذا التحقيق الجديد القديم لايفرق -أبدًا- بينه وبين النص والحواشي عند الميمني وشاكر، اللهم إلا بتلك التراجم والتخريجات التي وقعها الدكتور عسيلان باسمه. أما أثر مخطوط (يزد) فلا يمثل واحدًا في المئة (1%) من هوامشه. إنها تلك الهوامش التي رمز لها بالحرف (خ). أما تعليقات النسخة وحواشيها فلا تجدها في التحقيق إطلاقًا. فأين ذهبت هذه التعليقات؟ ولِمَ لم يستفد منها المحقق ولِمَ حَرَم منها القارئ بعده؟ أقف هنا على أمرين ثم ينتهي حديثي عن الوحشبات! أولاً: لِمَ لَمْ يستفد المحقق الكريم مرة واحد ة من عناوين مقطوعات مخطوطة (يزد)؟ ثانيًا: لِمَ جمع كل الحواشي والتعليقات في آخر الكتاب؟ وكيف صنفها؟ أبدأ بالأمر الأول: لقد عقد محققا «شرح كتاب الوحشيات» مقارنة بين عناوين المقطوعات في نسخة (يزد) وتحقيق المرحوم الميمني، وأستأذنهما في الاستفادة من هذه القائمة لأعقد مقارنة بين المخطوط وعملي الميمني ود.عسيلان. وهذه هي عناوين المقطوعات والقصائد عند الثلاثة: أوجه السؤال إلى أخي الكريم د.عسيلان: إذا كانت نشرتك أخلت بكل هذا فكيف تزعم -رعاك الله- بأنك اعتمدت على نسخة (يزد) الإيرانية المتقنة؟ لم تَعْدُ -رعاك الله- أن وقعت أسير مقدمات القصائد عند العلامة الميمني وأستاذنا شاكر -رحمهما الله- فلم تستطع التخلص من سيطرتهما، وما ورد في المقارنة السابقة خير دليل. وبمعنى آخر اعتمدت على النسخة التركية- بل على من اعتمد عليها- وأهملت النسخة «المتقنة» الثرية، وهذا ما لايصح عند انتقاء نسخ المخطوط. بقي أن أسأل الأستاذ الدكتور عسيلان عن تعليقات مخطوط (يزد): لِمَ جمعها في آخر الكتاب وسمّاها: «ملحق التعليقات المدونة على هامش نسخة يزد» وأسأله أيضًا: وهو العليم بالمخطوطات، وبالتحقيق والمحققين: هل رأى في حياته العلمية الطويلة محققًا واحدًا جمع في تحقيقه هوامش وتعليقات المخطوط الذي يحققه في آخر الكتاب؟ أليس الأولى والأجدر بل الواجب أن تكون تعليقات كل بيت من «الوحشيات» تحته في أصل النص، فإن لم يكن ففي هامش صفحته؟ بلى، ولا غير ذلك. ما الهدف من جمعها وإلحاقها بآخر الكتاب؟ أثارني هذا الصنيع فألححت في البحث وقرأت تلك الحواشي والهوامش والتعليقات غير مرة حتى ظهر لي –فيما أظن- السبب الحقيقي وراء ذلك: أمام الدكتور عسيلان خياران: - الاعتماد في قراءة هذه «التعليقات» على المخطوط نفسه رغم مافيه من صعوبة. - أو الثقة في قراءة الدكتور أبوشوارب والدكتور غريب وجمع تلك التعليقات من نشرتهما وإلحاقها في آخر الكتاب لمن أراد الاستفادة منها! عندي أنه اختار الخيار الثاني! ولا أشك في ذلك. والقول بهذا ليس سهلاً، بل إنه يحتاج إلى أدلة واضحة بينة تدل عليه وتشهد به، وإليك بعض الأدلة: أولاً: يضطر الدكتور أبوشوارب والدكتور غريب في تحقيقهما لبعض التعليقات والهوامش إلى إضافة بعض الكلمات أو الجمل، وجَعْلِهما المضاف بين قوسين معقوفتين لكي يستقيم النص الذي أصابه رطوبة أو طمس أو نقص، وقد قاما بذلك مع كل نص استدعى الأمر فيه التدخّل في حواشي الوحشيات وتعليقاتها جميعًا. ماذا عمل الدكتور عسيلان؟ استدخل معظم تلك الجمل والكلمات وجعلها ضمن النص الأصل، حتى ظهرت للقارئ وكأنها جزء مما في المخطوط أو حواشيه، وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك: سأضرب مثلاً بحواشي المقطوعة الأولى رقم 36 التي يبدأ بها المخطوط حتى أكون منصفًا: لقد ظهر البيت الثالث وحواشيه من تلك المقطوعة عند الدكتور أبوشوارب والدكتور غريب هكذا: (فقل لبنات المصر يبكينَ غيرنا ولا تبكينا إلا الكلاب النوابح [فقل لنساء المصر] روي: «فقل للحوريات». [ويبكين] لفظ خبر، ومعناه أمرٌ؛ أي لسنا ممن يصبون إلى النساء - أو تصبوا النساء إليهم- فيبكينهم بعد موتهم ولكن [...] إلى غير ذلك [من الأفعال] التي يتوسل بها إلى اغتنام الحمد وانتشار الصِّيتِ فليبكنا الكلاب إذ لا [...] من يستبيحُها). (وأقول: لعل صحة القراءة «يَسْتَنْبِحُها» بقرينة الكلاب؟). هكذا يظهر النص. ماذا فعل الدكتور عسيلان؟ نزع الأقواس في النص واستدخل إضافات الدكتورين ضمن الأصل المخطوط، وحذف النقط، ليصبح النص كالتالي: «فقل لبنات المصر يبكينَ غيرنا ولا تبكينا إلا الكلاب النوابح فقل لنساء المصر روي: فقل للحوريات. ويبكين لفظ خبر، ومعناه أمرٌ؛ أي لسنا ممن يصبون إلى النساء - أو تصبوا النساء إليهم- فيبكينهم بعد موتهم ولكن إلى غير ذلك من الأفعال التي يتوسل بها إلى اغتنام الحمد وانتشار الصِّيتِ فليبكنا الكلاب إذ لا يوجد من يستبيحُها». وهذا ديدنه مع معظم التعليقات والحواشي في الكتاب.