تناولت صحيفة (فرانكفورتر ألجيمانية)، على صفحة كاملة في عدد نهاية الأسبوع الحالي، تداعيات مبادرة الفتاة السعودية ريوف الحميضي، التي طالبت بأن يكون هناك حضور للمرأة المسلمة، التي ترتدي الحجاب، من بين رموز إيموجي، وهو الأمر الذي بدا للبعض أمراً سطحياً، لكن عالماً ألمانياً من جامعة برلين، قال إن ذلك يثير قضايا كبرى متعلّقة بهوية المرأة المسلمة عامة وفي الغرب بصورة خاصة. البداية ترجع جذور القضية إلى منتصف العام الماضي، حينما انضمت ريوف الحميضي، -وهي ابنة الدكتور عبد الرحمن بن حمد الحميضي الملحق الثقافي السعودي في برلين سابقاً، وفي فيينا حالياً-، إلى مجموعة تواصل على الواتس أب مع صديقاتها في مدرسة دولية، تضم زميلات من مختلف الثقافات، واختارت كل زميلة إيموجي يمثّلها، لكن ريوف لم تجد رمزاً يعبّر عنها، لاسيما أنها ترتدي الحجاب، وبدلاً من أن يتملكها الشعور بخيبة الأمل، قرّرت ألا تكون سلبية، وكتبت إلى شركة أبل مطالبة بإدراج إيموجي بالحجاب، لكن لم تتلق أي رد. من جديد رفضت الاستسلام، وواصلت البحث عن سبيل لتحقيق وجود المسلمات بحجابهن في العالم الافتراضي أيضاً، وعدم تجاهل ملايين المسلمات، اللاتي يستخدمن الإنترنت، وتعرّفت على الطريق الأفضل لذلك، من خلال تقديم عرض متكامل عن الفكرة، لشركة يونيكود كونسورشيوم الأمريكية، ومقرها مدينة سان فرانسيسكو، بعدها مباشرة تلقت العديد من الاتصالات من الشركة ومن الجهات ذات العلاقة، التي أبدت إعجابها بالمشروع، لاسيما أنه مقدّم من طالبة عمرها 15 عاماً، وترتدي الحجاب. تم دعوتها لتقديم مشروعها في مؤتمر أموجي في سان فرانسيسكو وقدمت عرض عن مشروعها أمام البورد التقني في شركة يونيكود في أكتوبر 2016 الذي لقى أعجاباً كبيراً وتمت التوصية بأدراج أموجي حجاب الذي تم تسجيله باسم ريوف الحميضي من المملكة العربية السعودية. نقلة نوعية حظيت مبادرة الفتاة السعودية باهتمام من كبرى وسائل الإعلام العالمية، مثل الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، وبي بي سي، وسي إن إن، وبعض وسائل الإعلام العربية، لكن هناك اختلاف الكبير بين هذا الاهتمام الإعلامي السابق، وبين قيام صحيفة الصفوة المثقفة في ألمانيا، والتي تعتبر واحدة من أكثر الصحف العالمية رزانة وعمقاً، بتناول هذا الأمر على صفحة كاملة، على أساس أكاديمي، وعلى يد أستاذ جامعي متخصص في علوم اللغة الإنجليزية، بجامعة برلين الحرة، هو البروفيسور أناتول ستيفانوفيتش. تناول في بداية دراسته المنشورة تاريخ ظهور الإيموجيمنذ تسعينات القرن الماضي، في إطار محدود، برموز لا تزيد عن 176 إيموجي، غلبت عليها الثقافة التي نشأت فيها، وهي اليابانية، لكن التوسع الفعلي في انتشارها فقد تحقق في عام 2010م، وأشار إلى إقبال الشباب من مستخدمي الإنترنت على إضافة هذه الرموز إلى تغريداتهم، وتشير الإحصاءات إلى أن واحداً من كل عشر مستخدمين يضيف أيموجي أو أكثر لما يكتبه، موضحاً أنها لا تأتي بديلة عن الكلمات، بل مكملة للنصوص اللغوية. وأوضح الانتقادات التي تعرضت لها هذه الرموز، من حيث مراعاة الاختلافات بين الجنسين، ولون بشرة المستخدمين، لينتقل بعدها إلى مبادرة ريوف الحميضي، التي حظيت بالموافقة، وإدراج إيموجي بحجاب المرأة المسلمة، مشيراً إلى ترحيب ملايين المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب بوجود رمز بعبر عنهن، واعتبار ذلك خطوة صحيحة للقضاء على التمييز. نظرة مخالفة لم يتوقف البروفيسور ستيفانوفيتس عند هذا التقييم، بل رأى أن هذا الرمز يجعل هناك علاقة وثيقة بين المسلمة والحجاب، ثم نبه إلى أن 70 في المائة من المسلمات المقيمات في ألمانيا لا يرتدين الحجاب، وبالتالي فإن عليهن إما أن يقبلن باستخدام إيموجي الحجاب، أو أن يتعرضن للاتهام بأنهن غير معتزات بدينهن. كما أشار إلى إشكالية أخرى تتمثّل في أن الإيموجيالتي تشير إلى وظيفة المرأة مثل أن تكون شرطية أو مهندسة، أو هوايتها مثل ركوب الدراجة، كلها لا ترتدي الحجاب، أي أن المرأة سيكون عليها أن تختار بين هويتها الدينية، أو أن تجعل وظيفتها هي أهم معالم هويتها، لكنه لم يستبعد أن ترتفع أصوات المسلمات من جديد، لأن تضاف إيموجي جديدة توضح الهوية الإسلامية لكافة الوظائف، بأن تكون هناك مثلاً شرطية ترتدي الحجاب، ومهندسة بالحجاب وهكذا. ويشدد على أن هذا النقاش لا يتعلّق بمسألة هامشية أو ساذجة، كما قد يضم البعض، بل يتناول قضية جوهرية تتعلق بالعلاقة المعقدة القائمة بين هذه الرموز التي تعكس الواقع الاجتماعي، وبين أن تسهم هذه الرموز نفسها في صناعة هذا الواقع، أي أن ترى المرأة نفسها مضطرة لارتداء الحجاب، حتى تعكس هويتها الإسلامية، ما دام غياب هذا الحجاب، يعني تلقائياً أنها ليست مطابقة للنموذج الإسلامي. ويختتم دراسته بالقول إن الرموز لديها القدرة في تقديم حلول، لا تستطيع اللغة أن تقدمها، لعجزها عن تقديم هذه الصور، لكن هذه الرموز قادرة أيضاً على إثارة مشاكل، لم تصدر عن اللغات من قبل، محذراً من أن تتحول النقاشات حول الإيموجي إلى ساحة للصراعات الثقافية. ريوف الحميضي هذه الفتاة السعودية تصرفت بتلقائية، وبوعي بهويتها الإسلامية، من المؤكد أنها لم تفكر في هذه المصطلحات الضخمة، مثل الصراع الثقافي، ولم تسع لإجبار المستخدمات من المسلمات على الاختيار بين هويتهن الإسلامية أو وظائفهن، لكن المؤكد أنها أسهمت في وقف تجاهل المسلمات في العالم الافتراضي، وأن لها السبق في إلقاء كرة الثلج، التي ستكبر يوماً بعد يوم، وسيذكرها كل من سيقوم بخطوة مشابهة، لذلك فإنها تستحق كل التقدير، الذي لا تقبل أن يذكر اسمها، إلا مقترناً بوطنها المملكة العربية السعودية.