صوت هدير المعدات الذي لا يهدأ في الصياهد الجنوبية لنفود الدهناء، مُعلناً بكل ثقة عن حُلم جديد يُسابق الزمن ليتحقق في طرف أو (ذرو الصحراء) كما يقول البدو، لا يقطعه سوى صوت (هدير مُقابل) لأندر أنواع المنقيات وهي تعبر أمام المنصة الرئيسة للجنة تحكيم مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، ومالكها يصيح لها من على (رحوله) بنبرات صوته العذب وعلى طريقته الخاصة (دوو دوو، واي واي)، لغة من المؤكد أنه يستعصي فهمها على أولئك المحبطين و المثبطين أمام عزائم الرجال، الذين يرسمون بإخلاص لوحة وطنية تراثية فنية فائقة الجمال. لأول مرة يجد عشاق ومحبو الأبل من الجماهير العربية (مدرجات حديثة) هُيِّئت بشكل احترافي ينافس مدرجات كرة القدم، ليصطفوا على جانبي المنصة الرئيسة للمهرجان، وهم يتابعون مسيرة الإبل في انطلاقتها الأولى، في صورة مغايرة لما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات الشعبية، إنَّها هندسة المكان والزمان والمحتوى التي تلحفت بعبق الماضي وإبداع الحاضر. كان واضحاً مُنذ البداية أنَّ الأمر سيكون مُختلفاً، وسيتأكد كل زائر أو زائرة من ضخامة الحدث ليخرج بصورة جديدة عن هذا المشهد التراثي والثقافي والأدبي الذي فتح الباب أمام العائلة السعودية والخليجية لقضاء أوقات مُمتعة وحماسية في قلب الصحراء، ولن نستعجل النجاح في النسخة الحالية فمازال في (جعبة) دارة الملك عبدالعزيز وفريقها المنظم الكثير، كما يقول ملاك الإبل الذين قابلتهم، والذين يرون حلم كل عربي عاشق (للإبل) والتراث يتحقق أمام أنظارهم. لعلي - لا أذيع سراً - إن نقلت على لسان نائب المشرف على المهرجان أن هناك آلية وطريقة جديدة اعتمدت لفرز المُتنافسين على جائزة الملك عبدالعزيز للأدب الشعبي والتي تبلغ جوائزها 24 مليون ريال، عندما بدأت لجان التحكيم تقييم العمل الأدبي (الشيلات، القصائد، المحاورة) دون معرفة جنسية أو اسم صاحب العمل، الذي منح كوداً سرياً يتم إجازة العمل وتقييمه بناءاً عليه، فإذا كانت البداية مُبشرة بهذه الطريقة الاحترافية التقنية والإلكترونية، فنحن على أعتاب مُسابقة هي (الأنزه عربياً) وليست الأضخم فقط في جوائزها. كل الشكر لجنود دارة الملك عبدالعزيز على التنظيم الرائع، ولأمينها المُكلف الذي تخلى عن مرتبة (معالي) بالعمل خلف المكاتب، ليظهر وسط الجموع في الصحراء يتابع ويعمل بصمت من أجل أن يظهر الحدث وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد، إذاً هي 25 يوماً بقيت من (عمر المهرجان) كفيلة بكشف المزيد من الإبداع الذي يقهر به الإنسان السعودي الصحراء بدلاً من أن تقهره. وعلى دروب الخير نلتقي.