وأنت تدخل إلى سجن المباحث العامة بالحاير، يتسلل إلى ذهنك - للوهلة الأولى - شعور بأن نزلاء مثل هذه الأماكن، ولم يعد لديهم مُستقبل يرجونه، أو أمل في غدٍ أفضل يرقبونه، وكأنَّ الموت كُتب عليهم وهم أحياء، فالصورة الذهنية الخاطئة عن السجن (كنهاية مصير) حتماً تقبع في العقل الباطن، على الأقل لدى من هم بعيدون عن المشهد، فكيف ونحن نتحدث عن محكومين على ذمة قضايا أمنية..؟!. الواقع الذي رأيته أمس الأول - داخل السجن - يكفُر بكل تلك التخيلات، لتثبت المباحث العامة ورجالها (وجهاً إنسانياً) آخر لكيفية التعاطي والتعامل مع المحكومين لإصلاح حالهم، ومساندتهم للبحث عن فرصة جديدة للتغيير من حياتهم نحو الأفضل، وهنا لا أتحدث عن التجهيزات والمباني، أو الخدمات الكبيرة التي هُيأت للنزيل، وأشاد بها كثيرون قبلي ممن زاروا هذه الإصلاحية النموذجية عالمياً من الصحفيين العرب والأجانب وكتبوا عنها، أو نشطاء حقوق الإنسان الذين أبهرهم ذاك التعامل الراقي والإنساني والأخوي من قبل القائمين على السجن مع النزلاء.. هنا أتحدث بكل شفافية عن مُناسبة إنسانية فريدة، وخطوة رائعة يندر أن تسمع أن سجناً في العالم منح مثل هذه الفُرصة (مجاناً) لكل هذا العدد من المساجين، من أجل استشراف المُستقبل، بعيداً عن تكبيلات الماضي، وما أنتجته من عوائق في الحاضر؟!. لقد كان حفل تخريج (الدفعة الأولى) من نزلاء سجن المباحث من طلاب الانتساب المطور (التعليم عن بعد) بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والبالغ عددهم 114 نزيلاً من أصل أكثر من 1000 نزيل يكملون دراستهم الجامعية على نفقة الدولة في كل المراحل، مناسبة إيجابية تدعو للتفاؤل، وتعكس حرص وزارة الداخلية على الاهتمام بالموقوفين.. المتخرجون حصلوا على شهادة البكالوريوس في تخصصات متنوعة كالشريعة والدعوة والاقتصاد وإدارة الأعمال واللغة العربية، وأقيمت لهم مسيرة مُشابهة لما يتم لزملائهم المُتخرجين بمقر الجامعة، عندما ارتدوا (بشت التخرج) في حفل أقيم تحت رعاية سمو نائب خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وبحضور سماحة مفتي عام المملكة، ووزير التعليم، ومدير جامعة الإمام، ومدير عام المباحث العامة، وزينه حضور أمهات وآباء وذوي الخريجين، ليختلط حبر (وثيقة التخرج) بدموع الفرح، بتتويج مسيرة عودة الأبناء إلى جادة الصواب، حصولهم على شهادة علمية تبدد المخاوف من مُستقبل مجهول، لترسم لهم ملامح غدٍ أجمل.. يتبع .. وعلى دروب الخير نلتقي.